طباعة هذه الصفحة

بوزيان مهماه الخبير في شـؤون الطاقـة لـ «الشعـب»

«أوبك» تحتـــاج إلى تطويـــر سياسـة تعاملها مع الســوق

حاورته: فضيلة بودريش

الجزائر مصدر للأمن الطاقوي في العالم وقوة لتحقيق التوافق
 توقـــع ارتفــــاع الأسعــــار إلى 70 دولارا للبرميــــل عـــــام 2018
 تخفيــــض الإنتــاج مسعــى حيــــوي يستجـيب لمتغـيرات الســوق

يقدم الدكتور بوزيان مهماه الخبير المختص في شؤون الطاقة، عشية اجتماع دول أوبك وشركائها من خارج هذه المنظمة النفطية في نهاية الشهر الجاري، تحليلا عميقا ومستفيضا حول تمديد العمل بمسعى تخفيض الإنتاج وانعكاساته على الأسعار، ويقدم برؤية دقيقة، مختلف الاحتمالات المتوقعة على المديين القريب والمتوسط بخصوص تطورات السوق النفطية، ويسلّط الضوء على جهود الجزائر ودورها الدبلوماسي المستمر من أجل تقريب وجهات النظر لتصحيح أسعار برميل النفط.
«الشعب»: تجتمع دول من داخل وخارج منظمة أوبك نهاية شهر نوفمبر الجاري لدراسة مسعى تمديد العمل بقرار تخفيض الإنتاج إلى ما بعد شهر مارس 2018 . ما هي التوقعات بخصوص هذا اللقاء الحاسم؟
-  بوزيان مهماه: بالفعل ستجتمع «أوبك» مع شركائها في فيينا في الثلاثين من الشهر الحالي لترسيم التوافق حول مستقبل إتفاق «تخفيض الإنتاج»، وكذا لمناقشة حالة الإمدادات وللتباحث حول سياسات جماعية، تستهدف توازن السوق النفطية والوصول إلى سعر عادل ومتوازن ومستدام لبرميل النفط. وفي هذه الأثناء أصبح من السهل ملاحظة هذه الروح التي أضحت تعمل بها أوبك وشركائها، وتتجسّد على وجه الخصوص في الوصول إلى مستوى متطور من العلاقة المشتركة بين كبار المنتجين والفاعلين والمحركين والذين يمثلون 24 دولة وقعت على إعلان التعاون.
يمكن اعتبار هذه الروح في المرحلة الراهنة  كعامل يعمل على تعزيز الثقة في الأسواق النفطية، وعنصر أساسي داعم لعودة الاستقرار إلى الأسواق، الأمر الذي بدأ يتجلى منذ أسابيع قليلة في ظلّ المنحى الإيجابي المستمر لتعافي أسعار برميل النفط. وهذا التقييم الإيجابي أصبح مادة تتداولها مختلف التقارير الدولية، وعنصر صانع للتفاؤل لدى جل الملاحظين والمتتبعين، كما أن فكرة «تمديد العمل باتفاق خفض الإنتاج حتى نهاية العام المقبل 2018» أصبح لها من التأييد وردة الفعل الإيجابية على أسواق النفط الخام ما جعلها واسعة الدعم.
ولدى التأمل في الانتعاش والتعافي التي عرفتها أسعار الخام القياس العالمي الـ «برنت» الذي كسّر حاجز الـ 60 دولارا للبرميل في طفرة قياسية وغير مسبوقة على مدى أكثر من سنتين ماضيتين، والصلابة المميزة والمقاومة النسبية التي يبديها ضد النزول عن هذه العتبة على مدى الأسابيع الأخيرة، نجدها مغذية لانتعاشة كبيرة في الاستثمارات النفطية بما يؤمن مستويات المعروض في المستقبل. إذا الالتزام «غير مسبوق» بخفض الإنتاج الذي أبدته الدول أعضاء «أوبك» وشركائهم من خارجها ولد أجواء إيجابية تسبق انعقاد هذا الاجتماع، وقلّص نسبيا من حالة الغموض والترقب الذي عادة ما تحيط بهذا النوع من الاجتماعات، الأمر الذي يجعلنا نرى بأن مهمة هذا الاجتماع الوزاري صارت سهلة في ضوء التطابق في رؤى بشأن الاستمرار في النهج نفسه لخفض الإنتاج على الأقل خلال السنة المقبلة 2018.

«مسار الجزائر» ينبغي أن لا يتوقّف
- ما هي في نظرك التحديات التي ستواجهها الدول المنتجة خلال وبعد هذا اللقاء الذي يكتسي أهمية كبيرة؟
 أنا دوما على قناعة بأن مهمة المنتجين في أوبك وشركائهم خارجها لا تتوقف مع ختام أي لقاء، ولن تنته هذه المرة مع نهاية هذا الشهر، بل إن جهود تجسيد «مسار الجزائر» ينبغي أن لا تتوقف في منتصف الطريق. لأن مواصلة العمل لرفع مستوى المطابقة مع مضامين الاتفاق ولتحقيق المزيد من الفاعلية العملية والوظيفية والعمل على توسعة الاتفاق بضم دول جديدة هي المهمة المستقبلية للمجموعة. ومن هذا المنظور لا يمكن سوى الثناء على جهود منظمة أوبك، خاصة وأن المتتبّع لمسارها في سياق تحليلاتنا ودعواتنا المتكررة منذ بدايات تراجع أسعار النفط على الأهمية التي ينبغي أن توليها المنظمة لتوسعة عضويتها إلى أعضاء جدد، حتى يتسنى لها كسب حصص جديدة على مستوى السوق الطاقوية، وتوسعة حصتها الإجمالية بشكل ذكي، بعيدا عن حرب الحصص داخلها وبين أعضائها.
وبعد أن نجحت المنظمة، انطلاقا من الاتفاق التاريخي للجزائر، في تجاوز هذا الإشكال داخليا، نجد أوبك اليوم تباشر جملة مفاوضات مع عدد من المنتجين المستقلين خارج المنظمة لدعوتهم للانضمام لاتفاق خفض الإنتاج حتى تؤتي جهود المنظمة ثمارها في ضبط الأسواق، ومن بين هؤلاء المنتجين المستقلين نجد دعوتها للبرازيل على الخصوص للانضمام لاتفاق الخفض ولعضوية المنظمة، وخاصة أن البرازيل أضحت تمتلك إمكانيات من النفط والغاز تؤهلها للمنافسة عالميا، حيث أنها تستهدف الوصول إلى إنتاج 5 ملايين برميل يوميا مستقبلا، كما أنها تعد مسؤولة (رفقة الولايات المتحدة الأمريكية) عن ضخّ أكثر من مليون برميل من مجموع الزيادة التي شهدتها الأسواق خلال الفترة الماضية، وتشير جل التقارير الصادرة دوريا والمتاح الإطلاع عليها إلى توقعات بأن تشكل مشاريع النفط في البرازيل خلال عام 2018، ضغوطا متزايدة على الأسواق والأسعار وعلى سياسة أوبك في إدارتها للأسواق خلال الفترة القادمة. ولذلك أعتقد بأن بروز خطابات «المسؤولية المشتركة» تجاه استعادة الاستقرار في أسواق النفط هو من فضائل «الإتفاق التاريخي للجزائر» وللمسار البناء الذي انبثق عنه وللجهود الحثيثة التي تقوم بها أسرة أوبك بالتعاون مع شركائها من خارجها، وهذا يعدّ مكسباً ثميناً ينبغي المحافظة عليه وتعزيزه وتثمينه. لكن يبقى التحدي الأكبر في نظري يتعلّق بسياسات أوبك التي تحتاج إلى مزيد من التطوير والتعميق والتحيّين السريع والمستمر، لأننا أضحينا أمام مشهد طاقوي جديد ومعقد يتسم بتغيرات ملحوظة في هيكلية الإنتاج والاستهلاك الطاقوي العالمي، حيث نجد صعود منتجين كبار جدد بعد أن كشفت التطورات عن زيادة احتياطياتهم المؤكدة من النفط، وبذلك ظهور معدلات زيادة في الإنتاج من النفط الخام والمشتقات النفطية من خارج الأقطاب التقليدية، إضافة إلى بروز تغيرات على صعيد المستهلكين، مما أدى إلى إعادة ترتيب قائمة كبار مستهلكي النفط ومستورديه في العالم مع تراجع البعض وتقدم البعض الآخر. إضافة إلى بروز تحديات جديدة مرتبطة بحالات خاصة كالحالة الفنزويلية والحالة الإيرانية. لكنه إلى حدّ الساعة يمكن الإشادة بالنضج الكبير الذي تبديه منظمة أوبك في التعامل مع المسألتين.
بالنسبة لفنزويلا يسجل تعثر قطاع الطاقة الفنزويلي ومعاناته لضخّ ما يكفي من الخام لتحقيق هدف الإنتاج الذي حدّّدته المنظمة لكراكاس، بسبب ما تعانيه فنزويلا من مشكلة التخلف عن السداد لديونها، لذا فهي تسعى إلى إعادة هيكلة دين قيمته 60 مليار دولار قبل نهاية هذا العام. وهذا ما جعل قطاع النفط الفنزويلي يسجّل منذ أكتوبر الماضي أدنى مستويات إنتاج له على مدى 28 عاما، كما أضحى يسجل منحنى انحداري منذ العام الماضي، ويتجّه صوب الانخفاض بما لا يقل عن 250 ألف برميل يوميا مع نهاية هذه  عام 2017. ومن المتوقّع تسارع وتيرة الهبوط في 2018 لتصل إلى ما لا يقل عن 300 ألف برميل يوميا. وهذا ما يستدعي ضرورة تدخل منظمة أوبك لضبط فجوة الإنتاج مع تراجع الإنتاج الفنزويلي، خاصة في ظلّ ظهور بوادر تنافس داخل أوبك لسدّ هذه الفجوة (وهي بوادر قد تكون لها آثار مشابهة لتجارب سابقة متعلقة بسدّ فجوة إنتاج إيران والعراق عندما تعرضت هذه الدول الأعضاء في المنظمة لعقوبات دولية مما تسبب في اضطرابات في الإنتاج فقامت أوبك بتفعيل آلياتها الداخلية وتكفل بعض الأعضاء ممن لديهم أكبر قدرة على الإنتاج بتغطية هذه الفجوة دون تغيير في حصص الإنتاج الرسمية). لكن التخوف داخل أسرة «أوبك» أصبح قائما هذه المرة بأن تتسبب أية مراجعات جديدة للحصص بسبب هذا الوضع في فنزويلا وإعادة توزيع حصص السوق من إثارة خلافات قد تبدّد التوافق من جديد، لذلك هناك شعور غالب بأن تفضل المجموعة السماح لقوى السوق بسدّ فجوة المعروض بدلا من مراجعة الحصص رسميا وإعادة توزيعها على أعضاء آخرين.
وقد أظهرت مصادر وبيانات مستقلة بأن إمدادات النفط الثقيل من العراق عضو «أوبك» ومن كندا والبرازيل غير العضوين في المنظمة، بدأ يحل بالفعل محل النفط الفنزويلي لعملاء مهمين مثل الولايات المتحدة والهند، لأن الولايات المتحدة الأمريكية تصدر النفط الخفيف المشابه للنفط الجزائري وتستورد مقابل ذلك النفط الثقيل الذي يتلاءم مع منشآت التكرير لديها، فقد انخفضت شحنات فنزويلا إليها بنحو 90 ألف برميل يوميا من النفط إلى الولايات المتحدة في العام الحالي حتى أكتوبر الماضي، فقامت العراق بتصدير ضعف هذه الكمية بما يزيد عن 200 ألف برميل يوميا إضافية إليها. وبخصوص الهند فبينما انخفضت شحنات فنزويلا إليها بـ 84 ألف برميل يوميا خلال الشهور الماضية من هذا العام فحين قامت العراق بزيادة شحنات الخام والمكثفات إلى الهند بمقدار 80 ألف برميل يوميا.

مخاوف تتربّص بسعر النفط
-  في ظلّ توقع العديد من الخبراء أن يبلغ سعر برميل النفط حدود 75 دولارا عام 2018، نظرا لتسجيل العديد من المؤشرات الإيجابية.. لكن ما مدى تأثير مخزونات النفط، التي تمّ تقدير حجمها بأكثر من متوسط خمس سنوات، على التماسك المرتقب؟
 لقد شكّلت تحركات أسعار النفط في الأسواق العالمية خلال السداسي الثاني من عام هذا 2017، نقطة مرجعية استدعت الكثير من التدقيق لدى المتعاملين في الأسواق في محاولة منهم لقراءة تلك التغيرات في ضوء المعطيات التي تشهدها الأسواق على مختلف الأصعدة، في مسعى للتوصل إلى رؤية مستقبلية أكثر وضوحا، لما ستكون عليه الأوضاع في السنة المقبلة 2018. وقد شهدت الأسواق خلال هذه الفترة تضافر مجموعة عوامل ساحبة نحو الأعلى لسعر برميل النفط صعودا، لتصبح أعلى من معدلاتها التي سجلتها خلال النصف الأول من هذا العام 2017، بل لتصل إلى معدلات لم تشهدها على مدى السنتين الماضيتين، مع تزامن وجود عدد آخر من المعطيات التي تعمل في اتجاه مضاد يكبح سيرورة قوى الدفع نحو الأعلى للأسعار مع الضغط عليها للبقاء عند مستويات منخفضة، ولذلك نشهد تأرجحا في مسيرة الأسعار كنتيجة لخشية قوى سوق الخام من أن تؤل الأوضاع لصالح عوامل الضغط نحو المنحدر. وبالنظر إلى هذه العناصر والمعطيات المتزامنة والمتداخلة والمتفاعلة مع بعضها، نجد أنه بإمكان «العوامل الساحبة إيجاباً نحو الأعلى» أن تحقّق المزيد من الاستقرار في السوق وربما ستجعل الأسعار تقفز إلى مستوى الـ 70 دولارا للبرميل خلال العام المقبل 2018. وهذه العوامل يمكننا إيجازها بذكر الأساسية منها، كسعي المملكة العربية السعودية (أكبر منتج داخل الأوبك) للدفع بالسعر نحو الأعلى حتى يتسنى لها طرح أسهم الشركة النفطية العملاقة «أرامكو» في البورصة في أجواء تتسم بصلابة السعر ومتانة التداول، تدعمه أسعار مرتفعة

لسعر برميل النفط.
 المخزون ناهز 160 مليون برميل/ يوم
غير أن عوامل كبح المكاسب كثيرة، إذْ نجد أن السوق لم تتخلص بعد من فائض مخزونات النفط، كما نسجل وجود العديد من المخاطر التي تتربص بسعر برميل النفط مع بدايات سنة 2018، والمتأتية على وجه الخصوص من الحالة الأمريكية، نخصّ بالذكر منها ثلاثة تهديدات جدية، فالأولى تتعلّق بحجم المخزونات التجارية، لأن المنتجون (داخل أوبك وشركائهم خارجها) قطعوا نصف الطريق فقط صوب الهدف، إذْ يهدف اتفاق أوبك وشركائها بخصوص مستوى الإنتاج إلى التأثير في مخزونات النفط في الدول الصناعية الأعضاء بمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، ودفعها إلى الانخفاض إلى متوسط الخمس سنوات، لكن أحدث الأرقام تشير إلى أن مستويات المخزون قد بلغت في شهر سبتمبر الماضي نحو 160 مليون برميل يوميا فوق ذلك المتوسط المستهدف بحسب بيانات «أوبك»، وبذلك تبقى إزالة التخمة في المخزون بحاجة إلى عمل أكثر لتحقيق خفض بحجم المقدار السالف الذكر حتى يتحقّق مبتغى التوازن الأولي للأسواق النفطية العالمية على مستوى المخزونات التجارية. كما نسجل ارتفاعا في مستويات المخزونات الإستراتيجية الأمريكية، رغم السحب منها في الآونة الأخيرة، حيث وصل تراجع المخزونات الإستراتيجية الأمريكية من الخام إلى أدنى مستوى لها منذ عامين (ديسمبر 2015) أي إلى حدود 460 مليون برميل، وهذا ما أسفر عن معادلة تناسب عكسي أي (تراجع المخزونات إلى أدنى مستوى لها منذ عامين، وفي المقابل ارتفاع سعر برميل النفط للخام القياسي إلى ما فوق الـ 60 دولار للبرميل في قفزة لم نشهدها منذ قرابة العامين). وأيضا وصول مخزونات الغازولين إلى أدنى مستوياتها منذ عامين، بما يقارب 230 مليون برميل. إضافة إلى وجود ارتفاع هيكلي في حجم المخزونات على مستوى الآبار التي جرى حفرها ولكن لم تكتمل، وهي مخزون للإنتاج المستقبلي، ويقدر هذا الارتفاع بـ 42,6 بالمائة على أساس سنوي، ليسجل أعلى مستوى على الإطلاق. وبينما انخفض عدد منصات الحفر النفطية في الولايات المتحدة كإجراء إحترازي في الأشهر الماضية، بسبب الإعصارين المدمرين «هارفي» (في أوت) و «إيرما» (في سبتمبر)، فإن كفاءة كل منصة من تلك المنصات قفزت بشدة خلال هذه السنة، وهذا عنصر هام يستحق النظر والتحليل لما له من آثار عميقة مستقبلا. والثانية تتعلّق بإنتاج الخام الأمريكي الذي يسجل ارتفاعا بوتيرة أسرع، مما توحي به الزيادة في عدد الحفارات التي قفزت من 471 منصة كانت عاملة قبل عام إلى 738 الأسبوع الماضي، إذ الأمر يتعلّق بمعطى تزايد معدلات الإنتاجية مع كل زيادة في عدد الآبار. وبشكل عام من المتوقع ارتفاع إنتاج الولايات المتحدة إلى مستوى قياسي عند عشرة ملايين برميل يوميا في 2018. والثالثة تخصّ الصادرات، فهناك حالة قلق متجددة من احتمال عودة تخمة المعروض، هذه الحالة تسود نتيجة للطفرات في الإمدادات التي يحققها الخام الخفيف الأمريكي وتنعكس بالسلب على الأسعار. وهذه تعدّ من المخاطر الغامضة بعض الشيء. فزيادة صادرات الولايات المتحدة من النفط الخام ستعوق صعود أسعار النفط عاليا في العام القادم.

 صعوبة الاستشراف وهشاشة الأسعار
- قامت مؤخرا وكالة الطاقة الدولية بتخفيض توقعاتها بشأن نمو الطلب العالمي بنحو 100 ألف برميل/ يوم إلى نهاية العام المقبل، أي إلى نحو 1.5 مليون برميل يوميا في 2017 و1.3 مليون برميل يوميا في 2018.. هل ينعكس هذا على تحقيق المزيد من التعافي على مستوى الأسعار؟
 بالفعل، ففي أحدث تقرير لها خفضت وكالة الطاقة الدولية توقعاتها لحالة نمو الطلب العالمي على النفط بمقدار 100 ألف برميل يوميا للعامين الحالي والقادم إلى نحو 1,5 مليون برميل يوميا في 2017 و1,3 مليون برميل يومياً في 2018. كما أنه في أحدث تقرير لـ»أوبك»، فقد رفعت من سقف توقعاتها بخصوص الإنتاج العالمي من النفط الصخري حيث قدرت بأنه سيصل إلى 7 ملايين برميل يوميا بحلول 2020 (مقابل تقديراتها في تقرير العام الماضي بـ 4,55 مليون برميل)، وإلى 9,22 مليون برميل يوميا بحلول 2030 مع انضمام الأرجنتين وروسيا إلى أمريكا الشمالية كمنتجين (6,73 مليون برميل في تقرير العام الماضي). كما زادت أوبك أيضا تقديراتها للطلب العالمي على النفط في الأجل المتوسط، متوقعة أن يصل إلى 102,3 مليون برميل يوميا بحلول 2022. ومن المتوقع أن تكون الولايات المتحدة مسؤولة عن الـ 80  في المائة من نمو إمدادات النفط حول العالم في السنوات العشر القادمة. وهذا ما يسفر عن نتيجة مهمة تؤرق كل المتابعين لحالة السوق النفطية العالمية المستقبلية وهي «وضعية اللاتوقع»، لأن كل التحليلات والدراسات في السنوات الأخيرة أصبحت تفتقد للدقة في التوقع في استشراف الأوضاع، مما يحتم عليها التعديل في قراءاتها تباعا وفي فترات وجيزة، بمعنى أننا لم نعد نعاني فقط على مستوى الاستشراف إنما أصبحنا نتخبط على مستوى الاستشفاف (المنظور القريب المرئي)، وهذه هي الصعوبة القصوى بأن نسقط في «اللايقين»، وهذا يزيد من تعميق هشاشة وقلقل سعر برميل النفط واستمراره في التقلب والاهتزاز صعودا وهبوطاً والتأرجح في نطاق سعري بين 55 و65 دولارا، مما يجعل من التعافي على مستوى الأسعار مفهوما نسبيا يخضع للتوافق لا غير.

 توسيع عضوية «أوبك» ضرورة
- تنظر البلدان المنتجة بتفاؤل كبير للسوق النفطية في 2018، وتنتظر أن تتلاشى مخاوف الانهيار للأسعار والتذبذب الذي لا يشجع الاستثمارات.. هل تعتقد أنه سيتم تسجيل الاستقرار المنشود من أجل تصحيح الأسعار؟
النظر إلى السوق النفطية بالتفاؤل أو التشاؤم في عام 2018، تحكمه العديد من السيناريوهات، منها من يتوقع بأن أسعار الخام العالمي القياسي «البرنت»، ستبقى دون الـ 60 دولار للبرميل ومنها الذي يتوقع ملامستها لسقف الـ 70 دولار، لكن في تقديري الخاص ستبقى الأسعار مرشحة للدوران حول مستويات الستين دولارا ما لم تحصل أزمة كبيرة في الإمدادات، كما أنه من المحتمل بقاء السعر عند عتبة الـ 60 دولار للبرميل لفترة أطول قليلا.
وتوجد أسباب موضوعية تدفع بالفعل إلى التفاؤل، إذْ أنني منذ بدايات بروز أزمة سعر برميل النفط وجهت رسائل تنبيه إلى منظمة أوبك، مفادها ضرورة تجاوز فكرة «محاربة الخام الصخري والسعي لإخراجه من السوق»، فالتصرف بحكمة تنأى عن الدخول في صراع مستديم مع «الخام الصخري»، سيجنبها استنزاف أرصدة القوة لديها، وكذا العمل على إجراء توسعة عضويتها لمنتجين آخرين. واليوم لا يمكن سوى التفاؤل حينما نجد منظمة أوبك قد باشرت مسعى حيوي يتسم بديناميكية تستجيب لمتغيرات السوق النفطية، وعلى الخصوص حين ينوّه تقرير دولي لـ «أويل برايس» بأن «أوبك» أصبحت تدرك أهمية دور النفط الصخري في منظومة الطاقة الدولية، بل وتؤكد ذلك وتستهدف في خططها وسياساتها الوصول إلى سوق مستقرة ومتوازنة ولن تلجأ إلى إخراج النفط الصخري الزيتي الأمريكي من السوق عن طريق إغراق الأسواق بإنتاجها، وفوق ذلك تركز على تعاون جميع المنتجين لضبط العلاقة بين العرض والطلب. كما أن إعتراف منظمة «أوبك» بأن منتجي النفط الصخري يعملون بشكل جيد على رفع الكفاءة وتعديل الاستراتيجيات ونماذج الأعمال، وهذا مفيد للجميع منتجين ومستهلكين، خاصة على مستوى بعث الاستثمارات. فقد أشارت مصادر راصدة لحركة الاستثمارات النفطية نمواً تراوحت نسبته بين 5 و6 في المائة خلال هذه السنة 2017. كما أنه وفقاً لدراسات الوكالة الدولية للطاقة فإنه بعدما كانت الاستثمارات في سلسلة الخام (الاستكشاف والحفر والإنتاج) في حدود الـ 800 مليار دولار في سنة 2014، فقد تراجعت بنسبة 45 في المائة لتصل إلى 433 ملياراً في 2016. وأكد محللون أن ذلك الهبوط في رؤوس الأموال المستثمرة في مدى سنتين متتاليتين لم يسبق له مثيل في الخمسين سنة الماضية. الأمر الذي أصبح يعزّز القناعة لدى كبرى الدول المنتجة للغاز بأن تبني «منتدى» يكون بمثابة منظمة قوية لمنتجي ومصدري الغاز الطبيعي على غرار «أوبك». وهذا تحدي جدي لمنظمة أوبك ما لم تستوعب جيدا بأن تبادر بتوسيع نشاطاتها وسياساتها سريعا لاستيعاب الغاز ضمن إهتماماتها المركزية، خاصة وأن أغلب أعضائها يشتركون في إنتاج النفط والغاز، كما أنه بمقدورهم كلهم أن يصبحوا مستقبلا منتجين للغاز التقليدي أو غير التقليدي على غرار المملكة العربية السعودية، كما أن الغاز الطبيعي سيهيمن على قمة هرم الوقود الأحفوري خلال الـ 30 سنة القادمة وربما حتى ما بعدها.

إرساء نموذج طاقوي للاستهلاك
- مازالت الجزائر تؤثر بشكل مباشر وغير مباشر بفضل دبلوماسيتها الاقتصادية الفعالة بهدف السير نحو تعافي الأسعار، هل ينتظرها شوط جديد لتفعيل تمديد قرار تخفيض الإنتاج؟
ستظل الجزائر قوة صناعة للتوافقات وتفعيل لها على مستوى المشهد الطاقوي الإقليمي والعالمي من خلال المساهمة في ضمان الأمن الطاقوي واستقرار الأسواق وتقاسم المنافع بين المنتجين والمستهلكين، والعمل الدبلوماسي في العمق لتفادي صدمات السوق مع الاهتمام بتقوية المنظمات على غرار الأوبك. كما أن تعزيز المكانة الطاقوية للجزائر وحضورها الفاعل يستند إلى رصيد الجهد الوطني والعمل الكبير الذي تجسده مشاريع التطوير الطاقوية التي تعمل الجزائر على تجسيدها على مستوى تعزيز قدرات البلاد، من خلال الرفع في احتياطاتنا الباطنية المؤكدة، والرفع في قدراتنا الإنتاجية، والتنويع في المصادر أي طاقات أحفورية تقليدية أو غير تقليدية وكذا طاقات متجدّدة وجديدة، وإرساء نموذج طاقوي للاستهلاك، يرتكز على الغاز الطبيعي يتسم بالمرونة والسلاسة في إحلال الطاقات المتجددة تدريجيا، وكذا بعث نسيج وطني من الصناعات البتروكيميائية ومعدات الطاقات المتجددة. إضافة إلى قيادة سوناطراك لمسعى بناء «نموذج طاقوي للأعمال التجارية»، والمضي لمراجعة قانون المحروقات مستقبلا بهدف الرفع من قدراتنا الطاقوية، وتثمين الجاذبية الجيولوجية لمكامننا الطاقوية، من خلال خلق جاذبية حقيقية للاستثمارات الأجنبية وللرأسمال الوطني.