طباعة هذه الصفحة

حفيدة الأمير عبد القادر زهور بوطالب لـ «الشعب»:

الأمير شخصية عظيمة أدخل العروبة إلى بلاد الشام ورجل الإنسانية

سهام بوعموشة

 نطالب بجعل يوم وطني للمبايعة وحماية تراث الأمير من التشويه

فندت حفيدة الأمير عبد القادر زهور بوطالب، أمينة عامة وعضو المجلس العلمي لمؤسسة الأمير عبد القادر، كل الادّعاءات والإشاعات المغرضة التي طالت شخصية الأمير مؤسس الدولة الجزائرية الحديثة، كاشفة عن الجوانب المميزة لهذا الرجل الرمز وكيف كان يتعامل في أوقات الحرب والسلم اقتداء بسيرة نبينا الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم، بحيث كتب عنه حتى أعداؤه وأشادت به العديد من الدول والدبلوماسيين العرب والأوروبيين، داعية السلطات إلى حماية التراث الوطني للأمير والمواقع التي كان فيها وأضحت مهملة وجعل يوم وطني للمبايعة كي لا يظلم الناس تاريخهم، ويتذكروا هذه الشخصية الرمز مثل عبد الحميد بن باديس الموسوم بيوم العلم.
استهلت زهور بوطالب حفيدة الأمير عبد القادر حديثها لدى زيارتها لجريدة «الشعب»، بكشف النقاب عن بعض التفاصيل من حياة الأمير التي سكنت زوايا الذاكرة المنسية حتى يتعرف عليها القارئ، لأنها جزء من هويته التي صنعها رجال عظماء كرسوا حياتهم لبناء وطن وميلاد دولة اسمها الجزائر، إنه الأمير الذي حارب فرنسا مدة 17 سنة وخاض 116 معركة ضد 122 جنرال و16 وزير حرب و5 من أبناء الملك لويس فليب، ومن المفروض أن تكون له مدرسة لغرس روح الوطن، هذا ما قالته حفيدته التي طالبت الذين يتهمونه بالاستسلام بإعادة دراسة تاريخه كي لا يظلموا هذه الشخصية العظيمة التي فضلت خيار وضع السلاح حفاظا على أرواح الجزائريين، بعدما تعرض لحصار من طرف المغاربة من جهة والخونة من الجزائريين وفرنسا التي كانت أكبر قوة في العالم آنذاك، مشيرة إلى أن فرنسا قامت بإبادة 11 مليون جزائري سنة 1840 وبقي منهم 2 مليون.
وأضافت حفيدة الأمير عبد القادر، أن حلمها هو إنشاء مركز ثقافي لدراسة عدة اتجاهات الخاصة بهذه الشخصية لأن الأمير معروف كمؤسس دولة ورجل جهاد لكننا نغفل الجوانب الأخرى وهي الجهاد العلمي، الأكاديمي، الدبلوماسي والفلسفي والصوفي، مما جعله ينتمي إلى فريق 100 شخصية إسلامية ويجب أن يكتب تاريخه ومن بعده بالماء الذهبي.
كما طالبت بإقرار يوم للأمير عبد القادر كي لا يتم محوه بعد سنين، وفي رسالتها للجيل الصاعد قالت:» الأمير كان في عمر الشباب وله 23 سنة حين تبنى الإمارة والجهاد للوطن، أسسا دولة، أنشئا محكمة ومركز للسلاح وأسس دولة بكل المصالح». منوهة بمجهودات والي معسكر في إقامة احتفال بذكرى مبايعة الأمير سنويا تحت شجرة الدردارة بالتنسيق مع مؤسسة الأمير عبد القادر وفخامة رئيس الجمهورية، وحسبها فإنه منذ سنوات تم تحويل الاحتفال إلى الصحراء بوادي سوف وورقلة وهذه السنة قررت المؤسسة تنظيم الاحتفال بالجلفة لكنه تأجل بسبب الانتخابات.
شخصية الأمير رجل دين ترعرع في الزاوية القادرية لوالده محي الدين، ونهل من الجانب الصوفي والأولياء والصالحين ككل الجزائريين والمدرسة الصوفية أخرجت علماء والنضال الجزائري منهم البركاني من الزاوية الرحمانية وسيدي علي مبارك بن علال من زاوية القليعة الذين رافقوا الأمير وكانوا رجال علم ومحترمين. كان من كبار الدبلوماسيين وله عدة مراسلات مع القناصلة و رؤساء العالم، وطلبوا منه أن يكون سلطان دول العرب آنذاك لكنه رفض لأن بالنسبة له الجهاد الأكبر هو جهاد العلم والقلم، حين قالوا له» أنت الذي كافحت المسيح في بلدك والآن تحميهم» أجاب بأنه لم يقاتل المسيح بل المستعمر دفاعا عن وطنه لأن ديننا يقول من يقتل نفسا فقد قتل الناس جميعا ومن أحيا شخصا فقد أحيا الناس جميعا»، هذا ما أكدته زهور بوطالب.
علاوة على أنه شخصية عظيمة وبفضله كانت الجالية الجزائرية تحظى بقيمة كبيرة، لأن الأمير أدخل العروبة في بلاد الشام حتى في الجيش السوري لان جماعة الشام كانوا تحت السلطة العثمانية ولديهم كلمات تركية، وفي 1860 وقع حصار بين المسيح والدروز وأرادوا القضاء على المسيحيين أنجى الأمير حوالي 15 ألف مسيحي، ما جعل العالم كله يعترف برجل الإنسانية منهم الملكة فيكتوريا، أبراهم لنكولن، عبد المجيد التركي، البابا، نابليون الثالث، كل السلاطين والقياصرة ولما نتحدث عن يوميات حقوق الإنسان الأمير سبقهم لذلك لأنه كان يتبع سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم. كان يتمتع بأخلاق ويرد على رسائل كل الناس منهم البسطاء، بحيث يوجد أكثر 45 ألف رسالة موجودة في الأرشيف الفرنسي بأكس بروفانس، منها مراسلته مع الملكة صوفيا التي طلب منها مساعدته حين دخلت فرنسا، والسلطان عبد الرحمان وملوك عرب نافية مراسلته لليهود.
 بالمقابل كان فاعلا في تسوية قضية قناة السويس عبر اتصاله الدائم مع الرؤساء والملوك لحل القناة، وحين زار لندن وشاهد آلة الطباعة عند عودته طلب من السعوديين طبع المصحف الشريف لنشر القرآن عالميا، كما كان مسموح له بالذهاب إلى غار حراء والتعبد فيه أين بقي مدة شهرين. وكانت الجزائر بالنسبة له فوق كل اعتبار بحيث باع أرضه ومجوهرات زوجته.
زيادة على ذلك فللأمير له أربع كتب منها كتاب المواقف ومقعد الحد الذي ترجم، ومذكراتي كان جهاده الأكبر هو العلم والقلم، وهو ما جعله يبحث كل مخطوطات الشيخ محي الدين بن العربي الذي يجب الافتخار بهذا العالم، ويعود الفضل للأمير الذي أعاد إحياء تراث الشيخ محي الدين بن العربي وجمع الفتوحات المكية للشيخ الذي كان بالنسبة للأمير الأب الروحي، بحيث زاره في الصالحية وطلب الموت بجانبه، كما سكن بمنزل محي الدين بن العربي، وكان له ارتباط بهذه الشخصية الصوفية العالمية هذه تفاصيل أفادتنا بها حفيدته.
 وتحدثت بوطالب عن معاناة الأمير في سجن أمبواز الفرنسي بسبب خيانة الفرنسيين، نجا من الموت عدة مرات نتيجة البرد وانتشار مرض الكوليرا، بحيث فقد أولاده وزوجته وهناك مقبرتين في تولون و22 مقبرة في أمبواز، غاية مجئ نابليون الثالث الذي اعتذر منه وأطلق سراحه ثم توجه نحو البورصة بتركيا لمدة أكثر من ستة أشهر إلى غاية وقوع الزلزال بالمنطقة أين توفيت والدته، ثم أطلق سراحه إلى بلاد الشام.

الأمير عبد القادر كان يحترم المرأة ويحسن معاملة الأسرى

وعن تعامله مع الأسرى ذكرت رئيسة مؤسسة الأمير عبد القادر بأن المؤسسة في شراكة مع الصليب الأحمر، بحيث نظمت سنة 2013 مؤتمرا بعنوان»الأمير عبد القادر وحقوق الإنسانية» بنادي الجيش تحت رعاية رئيس الجمهورية ووزارتي العدل والدفاع بحضور رئيس الصليب الأحمر بتار مورار والمختصين من العالم أجمع، أبرزت فيه كيفية تعامل الأمير مع الأسرى حتى أمه لالا الزهراء كانت تسهر على الأسرى والأسيرات وميثاق الصليب الأحمر حاليا سنة يتوافق مع تعامل الأمير سنة 1830. وسنويا تشارك المؤسسة في الصالون الدولي للكتاب للتعريف بهذه الشخصية.
ومن مزاياه أيضا أنه رجل لطيف يستمع للغير ورجل علم، متواضع كان يحترم المرأة كثيرا ويعطيها قيمة، وأمه هي أول امرأة درست الأمير وحفظ القران علي يدها، وحين كان متزوجا بابنة عمه لالا خيرة بنت سيدي علي بوطالب قال لها: « اختاروني لخدمة بلدي هذا واجب لا ينبغي التخلي عنه، وستمر علينا أيام صعبة يمكن أن لا تريني فيها، أطلب منك إن أردت البقاء بجانبي وتحملت العناء، لكن إن فضلت الرحيل فلك ذلك». وحسبها فإن هذه الرسالة تدل على أن زوجته كانت مثقفة مثل كل الجزائريين آنذاك، وفي هذه النقطة أخبرتنا بقصة ابنته التي تقدم لخطبتها شاب من أسرة المهاجين أجابته برسالة تعتذر فيها قائلة:» أنا في الشام مع والدي لا أستطيع تركه».
وبالنسبة لقضيته مع أحمد باي أوضحت أنه كان هناك علماء ساندوا الأمير في جهاده، منهم القاضي الشاذلي الذي أرسل برقية للأمير سنة 1836، يطلب منه الدخول إلى قسنطينة، مشيرة إلى أنه لا يمكن إنكار ما قدمه أحمد باي لكن ينبغي أن نفهم أن أحمد باي كان تحت سلطة الباب العالي لتركيا، في حين الأمير كان مؤسس الدولة الجزائرية الحديثة، قائلة:» لا يمكن المقارنة بين الأمير عبد القادر وأحمد باي الذي كان يسير تحت سلطة الباب العالي»، مشيرة إلى أنه كان فيه حصار من طرف باي وهران لعائلة الأمير ومنع من الذهاب إلى الحجاز مدة سنتين، وبعد دخول فرنسا طلب الباي مساعدة والد الأمير وهنا ظهرت معركة خنق النطاح أين برز فيها الأمير ببطولته.
وانتهزت الفرصة لدعوة وزارة الثقافة لحماية التراث الوطني للأمير وتاريخ الجزائر المهمل، منها برجه في تازة وغيرها من الأماكن، لأنه شخصية عالمية ينبغي الافتخار بها، ولا يجب أن يكون رخصة تجارية لبعض الأطراف التي تريد التلاعب بتاريخنا، والكف عن سياسة التشكيك، قائلة:» كمواطنة جزائرية أطلب أن لا يمس هذا التهديد والتشكيك رموز الدولة وتاريخها ولا ينبغي تركهم يشوهون صورة الزعماء الوطنيين، وهو ما يساعد المؤرخين الفرنسيين».