طباعة هذه الصفحة

حول اللغة الامازيغية والبحث عن منشأتها الكونية

الأستاذ بن جامع يؤكد إمكانية إيجازها في ترسيخ العقيدة الإسلامية

سكيكدة : خالد العيفة

الأبجدية العربية الوسيلة الأجدر والأقدر على تحقيق التّواصل بين الأمة

يقول الاستاد بن جامع رياض «وجّه المشرّع الجزائري بعد الاستقلال اهتمامه إلى خدمة اللّغة العربية، وبعثها كلغة وطنية ورسمية؛ باعتبارها لغة الأمة، المعبّرة عن الهُوية الوطنية الواحدة، ولم يكن للأمازيغية نصيبها في التّعليم لكثرة لهجاتها، وعدم وجود ما يمثّلها كتابة؛ ولعل ذلك ما أبعدها عن حقل التربية والتعليم، إلى غاية 1995 أين تمّ فتح أقسام نموذجية لتعليم اللغة الأمازيغية وهي مبادرة حسنة؛ كونها تحافظ على إرث لغوي تناقل مشافهة، وُتسهم من جهة أخرى في تنمية اللغة الأمازيغية».

وأكد بن جامع « حرصت الحكومة الجزائرية على تعميم اللّغة الأمازيغية فأصدرت قرارا بشأن ذلك سنة 2003 يقضي بتعليمها تعليما يمكن من خلاله أن يرتبط الفرد الجزائري بلغته وتاريخه، وعقيدته»، وأضاف الاستاذ» وقد انطلق المشرّع الجزائري في ذلك من غايات أفرزتها فلسفات التربية والتعليم، والمتمثّلة في الأهداف العامة المرجوة من تعليم اللغة الأمازيغية ويمكن أن نوجزها في ترسيخ العقيدة الإسلامية، وتعزيز القيم الإنسانية، الاعتزاز باللّغة العربية والأمازيغية، والإيمان بتميزهما، وبخصائصهما التّي تكفل لهما الاستمرار والقدرة على استيعاب المستجدات، ومواجهة التحديات، تعزيز الإيمان بالتّراث العظيم الذي استوعبته اللغة الأمازيغية، وبيان الصّلة العميقة التّي لا تنفصم بين الإسلام، وبين العربية والأمازيغية، تقوية الروابط بين أبناء الوطن، وتمتين هذه الروابط بينهم، والتفاعل الصّادق الواعي مع قضايا الأمة ومشكلاتها، من خلال وسائل اللغة العربية، والأمازيغية في التّعبير والاتصال».
ليوضح الاستاذ في هذا السياق، أن استيعاب المعارف اللغوية، والأدبية، وإبراز ما وصلت إليه هذه المعارف من تنظيم، ودقّة وعمق على أيدي اللّغويين، والأدباء والمفكرين، المختصين بحق في اللّغة الأمازيغية، ولما كانت المرحلة الأولى التي تتحدّد فيها الاختيارات الرئيسية تصاغ حبرا على ورق باسم جميع المواطنين، أومن طرف الأشخاص المَفوضين للقيام بهذا الأمر، فقد أخذت الجزائر على عاتقها هذه المسئولية، وكان العمل مشتركا بين وزارة التربية، والمحافظة السّامية للغة الأمازيغية؛ من أجل بعث اللغة الأمازيغية في المدرسة الجزائرية، وفتح المجال لتعليمها، وتعّلمها، والبحث في خصائصها؛ بغية إحيائها، وجعلها لغة كتابة، ومشافهة، دون إهمال لغة الأمة (العربية)، وكان آخر القرارات قرار رئيس الجمهورية بضرورة إنشاء أكاديمية للغة الأمازيغية توُكَلُ لها مهمة تهيئة الأرضية لترقية وتطوير هذه اللغة.
لكن يبقى السؤال الذي يطرح نفسه، حسب بن جامع «أي دور يمكن أن تلعبه الأكاديمية الوطنية للغة الأمازيغية في التأسيس لوسيلة التواصل اللغوي الواحدة الموحَّدة لنقل الثقافة الأمازيغية من التراث الشّفهي إلى الكتابي؟، وحول الموقف من الوسيلة التي تكتب بها اللّغة الأمازيغية، قد يلوح لنا اتجاهان تكون إجابتهما مختلفة بسبب الانتماء الثقافي والإيديولوجي، اتجاه يدعوإلى كتابة الأبجدية الأمازيغية بالحروف العربية، واتجاه يرى أنّه من الضّروري أن تختار كلّ منطقة الحروف والنوّع اللّغوي الذي ترغب في دراسته مع الإشارة على وجه الخصوص إلى منطقة القبائل التي تستعمل الحروف اللاتينية باعتبار أنّ كلّ الذين ناضلوا من أجل الاعتراف بهذه اللّغة كانوا قد درسوا بالفرنسية وبالتاّلي يميلون إلى استعمال الحرف اللاتيني، وأن التوسل بالأبجدية العربية يؤدّي إلى تراجع الأمازيغ ثقافيا، ويعرقل تقدمهم، وفي أنّ تبنّي الأبجدية اللاتينية ضرورة للحفاظ على وحدة الشّعب، وتجاوز الانقسام بين أبناء الأمازيغ الذين لا يقبلون بفرض الأبجدية العربية عليهم، وصعوبة تعلّم الأبجدية العربية وسهولة تعلّم الأبجدية اللاتينية.
وفي الواقع يوضح الاستاذ «أنّ مثل هذا الاختيار قد يرتبط برؤية سياسية بعيدة النّظر، فقد يكون الهدف منه تحويل الأمازيغ عن الأبجدية العربية إلى الأبجدية اللاتينية هو فك الارتباط بين الأمازيغ والعرب؛ لأنّ التّخلي عن اختيار الأبجدية العربية كان يعني الانفكاك عن الثّقافة العربية، والارتباط بالثقافة الغربية، ومثل هذه القضية ليست بجديدة فلها أمثلة حيّة في التّاريخ القديم والمعاصر.
ومن وجهة نظري يقول بن جامع «أرى في الأبجدية العربية الوسيلة الأجدر والأقدر على تحقيق التّواصل بين الأمة للأسباب المذكورة آنفا، لأن مسألة الأبجدية العربية لا تتعلّق فقط بهم؛ لأنّ هذه الأبجدية هي لكل أبناء الأمة والجزائريين، والمنطق يفترض أن تكون الكلمة لرأي الأغلبية ولذلك لا يمكن للأغلبية أن تتخلّى عن أبجديتها العربية لتقبل أبجدية الأقلية اللاتينية.
وإذا نظرنا يضيف بن جامع» إلى العلاقة التّي جمعت العربية بطائفة من اللّغات واللهجات التّي شاركتها في الأرض والأوطان، واستعملتها فئاتٌ من المجتمعات العربية الإسلامية والقوميات غير العربية التّي كوّنت مع العنصر العربي مجتمعا واحدا في ظلّ حضارة موحِّدة، وجدنا في الغالب علاقةً تمتازُ بقدر كبير من التّسامح والتّناسق التلقائي الذي لا يؤدّي بالضّرورة إلى التّنازع أوالتنافر. وهذا ما يؤكده التاريخُ الطويل من التعايش بين العربية وعدد من اللهجات واللغات في مشرق العالم العربي ومغربه. لكن هذه العلاقة بين العربية ومواطناتها من اللغات المحلية، وإن ظلّت لوقت طويل هادئة وساكنة في أغلب الفترات الماضية، قد أصبحت بفعل عناصر جديدة طرأت على أفكار فئة من المجتمعات العربية وثقافتها ووعيها القومي والسّياسي ومفهومها للهُوية، وتدخُّل إيديولوجيات ومصالح أجنبية للعزف على الوتر العِرقي والطائفي- تعرف قلقا واضطرابا من شأنهما أن يُغيِّرا شكل العلاقة فتتحول إلى صراعات وعداوات وحروب تكون وبالا على الأمة كلّها».
ويؤكد بن جامع رياض «حين نضع العربية (في مجموعها الكلّي: فصحى ولهجات) إزاء مواطناتها من اللغات المحلية غير العربية، من زاوية أخرى، نجد أن العربية تظل وحدها القابلة لأن تحوز بكلّ تجرّد وموضوعية، لقب لغة الأمة في مقابل كلّ لغة أولهجة أخرى من اللغات واللهجات الوطنية المحلية التّي يصدق عليها أن توصف بلغة الأم، وذلك باعتبار أنّ العربية هي اللغة التي تشترك في التفاهم بها مكونات الأمة كلّها بمختلف شعوبها ودولها ولغاتها، وإن اختلفت طريقةُ أدائها من منطقة إلى أخرى، وهي المؤهلة أكثر من غيرها، تاريخيا وواقعيا للقيام بهذه الوظيفة».