طباعة هذه الصفحة

الاجتماع الدولي للخبراء حول حفظ وإعادة إحياء قصبة الجزائر

حينما يجمع التراث العمراني بين ماضي الشعوب وحاضرها

فندق الأوراسي: أسامة إفراح

انطلقت، أمس الأحد، بفندق الأوراسي، فعاليات «الاجتماع الدولي للخبراء حول حفظ وإعادة إحياء قصبة الجزائر»، التي تدخل ضمن مساهمة اليونسكو في تطبيق أجندة 2030 لأهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة، وبالتحديد الهدف 11 المتعلق بحفظ النسيج الحضري.
شهد افتتاح هذه التظاهرة، التي تتواصل إلى غاية غد الثلاثاء، مداخلات لعدد من الخبراء والمختصين من مختلف الدول، سبقها تأكيد جزائري رسمي على الانخراط في عملية طويلة الأمد، لا ترمي فقط إلى إعادة ترميم القصبة، بل أيضا إلى إعادة الحياة إلى أزقتها وأسوارها.
إلى جانب الخبراء والمهتمين بالتراث من داخل الوطن وخارجه، تميز افتتاح التظاهرة بمشاركة رسمية معتبرة، بحضور كل من وزراء الثقافة، السكن، البيئة، والسياحة، إلى جانب ممثلة اليونسكو.
وفي مطلع المداخلات، ألقى مراد بوتفليقة مدير حفظ وترميم التراث الثقافي بوزارة الثقافة كلمة أعطى فيها لمحة عن موضوع الاجتماع وأهدافه، مؤكدا على الهدف المزدوج لهذا اللقاء وهو الحفظ والترميم من جهة، وإعادة الإحياء من جهة أخرى. وذكر مراد بوتفليقة بأن الجهود الدولية في إعادة إحياء المدن القديمة بدأت تتبلور منذ الملتقى الأول بأثينا سنة 1931 تحت رعاية عصبة الأمم، مؤكدا أن المباني التاريخية لم تعد لوحدها محور الاهتمام، وإنما النسيج الحضري ككل، خاصة وأن تهيئة العمران تأخذ التراث بعين الاعتبار.
من جهتها، قالت ندى الحسن، رئيسة قسم الدول العربية في مركز التراث العالمي باليونسكو، إن تسجيل القصبة في قائمة اليونسكو كان لما لهذا المعلم التاريخي من تأثير كبير على معالم أخرى في المنطقة، مضيفة أن القصبة تواجه اليوم تحديات كبيرة تم تحليلها مرارا وتكرارا. وقالت الحسن إن هذه الورشة قد تم تصميمها بالتعاون بين اليونسكو ووزارة الثقافة الجزائرية، وهي تتبنى منهجا شاملا، في إطار منظور التنمية الاجتماعية والاقتصادية بكل أبعادهها وفق خطة الأمم المتحدة 2030 للتنمية المستدامة، مؤكدة على أهمية التطرق إلى تجارب مدن عالمية أخرى.

طمار:
 المدن القديمة تمتاز بتعايش عمراني فريد

من جهته، اعتبر وزير السكن والعمران والمدينة أن الحفاظ على هذه الأحياء القديمة يدخل في صميم استراتيجية قطاعه فيما يخص العمران تطبيقا لتوجيهات رئيس الجمهورية، لأن التوسعات العمرانية الجديدة ورغم توفيرها للعديد من السكنات ما زالت تحتاج غلى إعادة الاعتبار من أجل إعطاء حقها. وأضاف طمار أن هذه المدن القديمة فيها روح التعايش العمراني غير الموجود في باقي المدن، وهي منبع إلهام ينطبق على غيرها.
وأشار طمار إلى إعادة ترميم حي بلوزداد وواجهة العاصمة العتيقة، بالتنسيق مع ولاية الجزائر العاصمة وكل الدوائر الولائية في انتظار توسيع العملية إلى الأحياء الأخرى، مؤكدا أن الحفاظ على التراث المعماري وإعادة التأهيل لا يخص مدن الشمال فقط بل الجنوب أيضا، وخص بالذكر غرداية، قبل أن يتعهد بقوله: «سأتابع كل التوصيات لتطبيقها على أرض الواقع».

ميهوبي:
 ترميم المباني يرافقه إعادة الحياة لها

في مطلع كلمته، خص وزير الثقافة بالتحية والشكر السفير الياباني ماسايا فوجيوارا، كون اليابان الدولة الراعية ماليا لهذه الندوة الدولية.
وأشار ميهوبي إلى أن تعليمات الرئيس تقضي بإعادة القصبة إلى عهدها الزاهر ورونقها وتاريخها المجيد، الذي اقترن ببطولات الشعب الجزائري. كما أن حماية التراث الثقافي مدسترة، وقد شهد شهر جانفي الحالي حدثين مميزين «يؤكدان على رغبتنا القوية في تفعيل التراث المادي وغير المادي وهو تكريس 12 يناير كيوم يحتفى به عبر كافة التراب الوطني، والحدث الثاني هو هذه الندوة الدولية»، يقول الوزير.
ولأن الإرادة السياسية قوية ومعبر عنها صراحة وبكل وضوح بخصوص حماية التراث، رصدت الحكومة الإمكانات الضرورية للشروع في إعادة تأهيل القصبة وفق معايير اليونسكو، كما أن إعادة التأهيل تحظى بمتابعة مباشرة من الوزير الأول. ونفس الاهتمام يولى لقصبة دلس وتنس وغيرها، لأن التراث لا يجزأ، هو تراث لشعب واحد وأمة واحدة.
وأشار ميهوبي إلى تكوين الخبراء الجزائريين في الخارج للاستفادة من التجارب المماثلة، وقد مكن هذا من الشروع في تهيئة القصبة، مشيرا إلى ترميم وتهيئة جامع كتشاوة مع الشريك التركي وهو أحد ثمار التعاون الدولي في هذا المجال: «نتطلع في هذا الاجتماع إلى الاستفادة من التجارب الناجحة في عدد من الدول».
وأشاد ميهوبي بدور الجمعيات الثقافية المهتمة بالقصبة، معتبرا إياها شريكا هاما، خاصة وأن «المسألة لا تتعلق فقط بتهيئة جدران ومبان وأسوار، بل بالحياة التي نريدها في هذه الأحياء وكيف يشعر الناس أنهم جزء منها».
وكشف ميهوبي أن مديرة اليونسكو قد أعربت عن استعدادها للمجيء والقيام بزيارة للجزائر، وذكر الوزير بالتزام الجزائر بالمعاهدات والاتفاقيات الدولية حول التراث الثقافي تتعاون من أجل مكافحة المتاجرة غير الشرعية بالممتلكات الثقافية، مع السعي إلى مراجعة حماية القانون الثقافي من أجل تشديد العقوبات وجعل القانون أكثر انسجاما مع القوانين الدولية: «للجزائر سبع مواقع مسجلة وتزخر بتراث ثقافي متنوع ونتطلع إلى شراكات علمية وتقنية مع المنظمات الدولية ذات الصلة ولا نرى أحسن من آليات اليونسكو لتحقيق خطوات عملية في هذا السياق».
زوخ:
مخطط العاصمة الاستراتيجي يمتد إلى 2035
وفي كلمته، أكد عبد القادر زوخ، والي العاصمة، أن للجزائر العاصمة مخطط استراتيجي انطلق في 2015 وتمتد أشغاله إلى غاية 2035، ويشمل أربع محاور، وتتعلق المرحلة الأولى بتزيين المحيط. وترميم القصبة هو من ضمن هذا المخطط، وهو ما خصص له 2400 مليار سنتيم في مرحلة أولى، مشيرا إلى القصور والدور التي يتم التركيز عليها في هذه العملية: «نحن الآن في مرحلة الترميم، وخليج العاصمة تتم تهيئته، إلى جانب تهيئة وادي الحراش، مع ملاحظة أن الصابلات لم تنته فيها الأشغال ومع ذلك فإن المواطنين يستعملونها»، يقول والي العاصمة، مؤكدا العمل على إعادة تهيئة كل العمارات.
كما تطرق زوخ إلى تخصيص 4 ملايير للتكوين، والتركيز على تعميم الإنارة خاصة في المعالم السياحية. وعن الواجهة البحرية للعاصمة، تحدث زوخ عن وجود دراسات لتحويل ميناء البضائع إلى شرشال، حتى تبقى واجهة العاصمة للسياحة.

بوشناقي:
على العمران الحديث أن يستلهم من التراث
سألت «الشعب» منير بوشناقي، الخبير الجزائري ذائع الصيت بمنظمة اليونسكو، عن مدى ضرورة تناغم النسيج العمراني الجديد مع التراث العمراني، وأن ينهل الأول من الثاني، فأجاب: «نعتبر أن التراث الثقافي يكون منبعا للإبداع وعلى المهندسين الذين يشتغلون على النسيج العمراني أن يأخذوا الدروس من النسيج القديم، وأكبر المهندسين مثل جون نوفيل وفرانك غيري يصرحون بأنهم نهلوا من المشاريع القديمة، ويقول لوكور بوزييه إنه لما ذهب إلى ميزاب وزار غرداية وبني يزقن أخذ منها دروسا في طريقة تقديم المباني، ويظهر تأثير الهندسة المعمارية في وادي ميزاب في معبد رونشون الذي قام بإنجازه. «التراث المعماري والمدن القديمة تعطي دروسا للمهندسين الحاليين في عملهم، والمسألة ليست عملية نسخ ولصق، بل يجب أن يتلاءم مع الوضع والمناخ والتصميم الحالي مع أخذ الدروس».
وفي تصريحه لنا، يلاحظ بوشناقي أن العيش في المدن القديمة أحسن صيفا من المدن الحديثة، لأن البناء القديم لم يغفل مسائل الضوء والشمس رغم أنه لم يكن يوجد حواسيب وآلات، فالمسألة راجعة إلى التجربة وهو ما أعطى روحا لهذه المدن. «بعض المدن الحديثة تجدها خالية، بلا روح، ويتوجه أهلها إلى المدن القديمة»، يقول بوشناقي.
من جانب آخر، يعارض بوشناقي التوجه المفرط في تحويل المباني العريقة إلى متاحف، ويركز على حماية روح الأماكن: «في اليونسكو، نعرف أنه في بعض البيوت القديمة على غرار القصبة، كانت الحياة الاجتماعية مختلفة عن تلك التي نعيشها الآن، لذلك يجب أن نتوجه إلى توظيف المباني التاريخية، ولكن هذا الاتجاه في بعض الدول بتحويل البنايات القديمة إلى متاحف هي ليست سياسة جيدة، قد يكون الأمر صالحا لمبنى أو اثنين، أما تحويل مجمل المباني يخلق لنا مدينة متحفية.. يجب أن تبقى في المدن التاريخية حياة تقليدية واقتصادية مع المحافظة على روح الأماكن».
وعن هذه الندوة الدولية يقول بوشناقي: «أرحب بهذا الاجتماع لأننا أتينا بخبراء عملوا ميدانيا وقدموا نتائج جلية، ونريد أن نقدم شيئا مماثلا للقصبة».

لعريبي:
المجتمع المدني شريك أساسي
من جهتها، تطرقت مريم لعريبي، المديرة الوطنية للعلاقات الخارجية بمؤسسة «ناس الخير»، إلى نشاط هذه الأخيرة، الذي يتمحور في ثلاث مجالات هي المجال الإنساني، الاجتماعي، والبيئي. وتنظم المؤسسة تظاهرة كل شهر، أي 12 برنامجا في السنة. وتسعى المؤسسة إلى استرجاع المساحات الفارغة الناتجة عن تهدم المباني، واستغلالها في إنشاء فضاءات مخصصة للأطفال أو الترفيه.
ومنذ 10 سنوات، تقوم المؤسسة بنشاطات وأيام تحسيسية بالقصبة، على غرار سباق «واريورز القصبة»، الذي جمع أكثر من 500 شخص ودارت التظاهرة في مسار سياحي بالقصبة، والهدف كان إرجاع الناس إلى المدينة العتيقة بعد انقطاعهم عن زيارتها لأسباب مختلفة. وفي رمضان المقبل، تسعى المؤسسة إلى إحياء حفلات شعبي على الطريقة القديمة في المنازل والأسطح، استرجاعا للأيام الخوالي.
واعتبرت لعريبي بأن للمجتمع المدني دورا أساسيا في إحياء التراث بشقيه المادي وغير المادي، ولتحقيق هذا الهدف تتضافر الجهود في شكل مثلث، يجمع المجتمع المدني والجهات الرسمية والممولين.