طباعة هذه الصفحة

ا.د يوسف وغليسي :

كان أكثر النقاد الجزائريين جزائريةً

سكيكدة: خالد. ع

الباحث شريبط أحمد شريبط، وهو أحد الأساتذة المتميزين في مختلف فنون الادب، قضى أغلب مراحل عمره في البحث العلمي، والتأليف، وتكوين الباحثين وخدمة الحركة الأدبية، فقد ألف عشرات الكتب التي تعد مرجعا للدارسين والمثقفين، ينحدر الفقيد من بلدية بين الويدان غرب سكيكدة مسقط رأسه.

 استقر بعدها بولاية عنابة كأستاذ للأدب والنقد العربي بجامعة باجي مختار، كرس حياته خدمة للثقافة والفكر والفن، وينتمي الباحث أحمد شريبط إلى ذلك الجيل من الكتاب والأدباء الجزائريين، الذي برز في مرحلة السبعينيات من القرن المنصرم، وقد صدرت مؤخراً الأعمال الأدبية الكاملة له في طبعة أنيقة عن منشورات مؤسسة بونة للبحوث والدراسات بمدينة عنابة، جمع فيها الباحث أحمد شريبط كتاباته المتناثرة بين الصحف، والمجلات، والنشريات، والكتيبات، والتي يمتد تاريخها إلى أكثر من أربعين سنة.
يستهل الاستاد الدكتور يوسف وغليسي حديثه عن الفقيد احمد شريبط بترحمه على هذه القامة الأدبية قائلا»لا يسعني إلاّ أن أعزّي نفسي والحركة الأدبية الجزائرية برحيل هذا الفارس النقديّ الذي تحدّى الحواجز وقاوم العقبات الصحّية الكأداء، أكثر من عشرين سنة، ثمّ رمى المنشفة، وأسلم نفسه إلى بارئها، مخلّفا عشرة مجلّدات ممّا تعدّون من الأعمال النقدية والثقافية».
وعن الاديب يقول وغليسي «عرفتُه في فورة نشاطه الأدبي، قبل أن تعصف به العلل، ولا زالت كلماته الحميمة التي تطرّز الصفحات الأولى ممّا أهداني من كتبه ترنّ حروفها في ذاكرتي، لذلك كنتُ في قمّة الصدق والعرفان بالجميل حين أصدرتُ كتابي (النقد الجزائري المعاصر) سنة 2002، وقد أهديته إلى «راوية الأدب الجزائري المعاصر وذاكرته القوية، الاسم المنسيّ الذي لم يكن يَنسى: الأخ الصديق الأستاذ الناقد البحاثة شريبط أحمد شريبط.. معذرة أخرى عن التقصير والنسيان!».
وعرج بنا الاستاد الى السنوات الأولى عند تعرفه بالمرحوم شريبط  «في بدايات تعرّفي إليه (وكنتُ أشتغل صحفيا)، أجريتُ حوارا مطوّلا معه، نشرته في جريدة «الحياة» (فيفري 1994)، وقد فوجئتُ به –بعد نحو عشرين حولا (2013)- يعيد نشره كاملا في المجلّد العاشر من أعماله الكاملة!، وأنا أراجع تلك المجلدات الضخام التي استنزفت دماءه، تراءت لي قيمتان مضافتان اثنتان في جهوده النقدية ، إحداهما أنّه ناقد (بالمفهوم الوظيفي للنقد) مختلف عن جمهور النقاد الذين يرتهنون للبحث الأكاديمي؛ حيث تغتدي جهودهم (النقدية) مجرّد طواف دائم برسالتي الماجستير والدكتوراه!،بينما ينعكس الأمر لديه إلى حدّ رفضه مواصلة إنجاز أطروحة الدكتوراه، والتفرّغ للكتابة النقدية الحرّة في الصحافة الأدبية التي لا يجني منها شهادة ولا مالا ولا ترقيات علمية!»
والقيمة الأخرى يضيف وغليسي «هي أنّه أكثر النقاد الجزائريين جزائريةً، بأمارة أنّ 90% من كتاباته تتمحور حول الأدب الجزائري : (تطوّر البنية الفنية في القصة الجزائرية المعاصرة، الخطاب الأدبي الجديد في الجزائر، مباحث في الأدب الجزائري المعاصر، آثار زليخة السعودي، الأديب عبد المجيد الشافعي،...)، بل إنّه حين أهداني كتابه (الحركة الأدبية المعاصرة في عنابة) كتب لي كلمة على صفحة الإهداء يقول فيها : «ما أروع أن يكتب كلّ واحد منّا عن المكان الذي يعيش فيه...»، فكأنّه كان يستحثّني على تقليد موضوعه والكتابة عن أدباء سكيكدة أو قسنطينة، لا لرغبة جهوية معيّنة، بل استنهاضا للهمم النقدية كي تتآزر وتتحمّل المسؤولية الأدبية، كلّ في منطقته، ابتغاء تمشيط الأدب الجزائري في شتّى جغرافياته»، موضحا في هذا السياق» تلك هي الأمانة الأدبية الوطنية التي عرضها الناقد المرحوم على سائر النقاد الجزائريين، فأبوا أن يحملوها وأشفقوا منها، وتحمّلها هو نيابة عن (السموات والأرض والجبال) من أسمائنا الثقافية الجامدة! ... لقد كان إنسانا.. (إنّه كان ظلوما جهولا)!»