طباعة هذه الصفحة

مواقع التّواصل الاجتماعي.. مساحة خصبة ّ للإشاعة

فتيحة ــ ك

 الشّائعات وتداولها السهل هي أهم ميزات مواقع التواصل الاجتماعي في السنوات الأخيرة، أما المعلومة الدقيقة والصحيحة  فمغيّبة لدرجة أنّ بعضهم وصف هذا الواقع بأن هذه المواقع على اختلافها امتلكت كل شيء إلا الحقيقة، ولعل ما رأيناه من تهويل لبعض الأحداث الاجتماعية والاقتصادية والصحية إلى درجة خلق نوع من الفوضى وسط المجتمع خير دليل على ذلك.
من منّا لا يتذكّر الاستنفار الرهيب الذي عاشه المجتمع وما زال بسبب ظاهرة الاختطاف، التي حوّلت الأولياء في ساعات قليلة إلى حرّاس شخصيّين لأبنائهم الذين صوّرتهم مواقع التواصل الاجتماعي من خلال القصص التي تناقلتها هنا وهناك على أنهم الفريسة السهلة لكل مختطف، فمن الاستغلال الجنسي إلى السحر الأسود وصولا إلى الاتجار بالأعضاء البشرية إلى شبكات دولية تبيع الأطفال لعائلات أجنبية لتتبنّاها، حوّلت حياة العائلات إلى جحيم وأصبح المجتمع لا يثق في المعلومة الرسمية لأنّها بالنسبة له تغطية للحقيقة التي اطلع عليها في مواقع التواصل الاجتماعي، ودون سابق إنذار أصبحت تحرّكات الأطفال مراقبة من الجميع حتى أصبح كل شخص يتحدث إلى طفل محل شبهة ومساءلة من كل من يراه، وتكفي دقائق معدودة لإعلان حالة الطوارئ للبحث عن طفل اختفى عن الأنظار لثوان فقط.ورغم الإجراءات المتّخذة من السّلطات المعنية وتأكيدها بالأرقام عدم وجود ظاهرة الاختطاف في المجتمع بذاك التهويل والتضخيم، إلاّ أنّها لم تستطع إقناع الأولياء الذين طالبوها بوضع شرطي أمام كل مدرسة وفي كل شارع وفي كل طريق لحماية أطفالهم من الاختطاف، والأمر في كل هذا أن بعض العناوين الإعلامية أصبحت تستقي أخبارها من مواقع التواصل الاجتماعي وبالبنط العريض، وباللون الأحمر الفاقع يقرأ المشاهد خبرا عاجلا يتحدث محتواه عن طفل اختطف في المكان الفلاني أو فتاة اختطفها أحد أقاربها نكاية في والدتها أو أي حالة اختطاف أعلنتها مواقع التواصل الاجتماعي بعيدا عن أي موقع رسمي.
وإذا كان المواطن البسيط يقبع تحت سيطرة ثقافة التلقي ما يجعله يصدق كل شيء، أصبحت وسائل الإعلام تلك هي أيضا تتلقى المعلومة وتنشرها دون التأكد من مصدرها، بحثا عن السبق الصحفي، فالمهم أن يكتب أسفل الشاشة «عاجل» دون أي مراعاة للأثر السلبي لمثل هذه الأخبار على المجتمع ككل، ومن تهويل الظواهر الاجتماعية إلى التشهير بالأشخاص إلى محاولة خلق فتنة أو بلبلة في مجتمع تعافى من حالة اللاّإستقرار اللذي مسه في العشرية السوداء، وفي كل مرحلة يحاول فيها البعض تغييب التناسق والانسجام الاجتماعي يعتمد هؤلاء على الإشاعة التي أصبحت تكتب بفنيات التحرير التي تجعلها حقيقة لا غبار فيها بعدما كانت مجرد كلمات تناقلها الأفراد مشافهة، والأكيد أن انتشارها أصبح يعتمد على زر دون التركيز على من كتب أو اشترك أو أعجب بالخبر، فالمهم سرعة انتشاره وتناقله بين أكبر عدد ممكن من الأفراد، ولا يحتاج الأمر إلا إلى أكثر من ثوان نحسبها على أصابع اليد حتى يسمع ويرى الجميع الإشاعة التي تصبح حينها وبسبب الكم الهائل من المطلعين عليها إلى الحقيقة التي لا جدال فيها.مواقع التواصل الاجتماعي أصبحت في سنوات قليلة الفضاء الأحسن والملائم لنشر الشائعات التي تخلق قناعة أكيدة لدى  متلقيها وتتلاعب في نفس الوقت بالرأي العام لذلك على العناوين الإعلامية على اختلافها أن تعي المسؤولية الاجتماعية الملقاة على عاتقها، خاصة في ظل الظروف الإقليمية التي تعيشها الجزائر.