طباعة هذه الصفحة

انجاز نوعي

سعيد بن عياد
12 ماي 2018

في الوقت الذي ينتظر فيه إقلاع قطاعات وفروع اقتصادية باتجاه أسواق خارجية سواء للتصدير أو جلب مستثمرين، وما عدا مبادرات ملموسة لكنها محتشمة لتصدير الاسمنت وبعض المواد الفلاحية، حقّقت الشّركة الوطنية للمحروقات سوناطراك إنجازا نوعيا يعكس امتلاك رؤية وجرأة في إعادة الانتشار والتوقع بشكل ناجع في المشهد الاقتصادي العالمي، الذي يعكس صراعا محموما بين بلدان صناعية لا تترك فرصة لمن ترى فيهم خطر المنافسة.
في ظرف أيام قليلة فقط أثمرت التوجهات الجديدة تعزيز قدرات الشركة التي توفّر مظلة مالية للاقتصاد الوطني وتلعب دور القاطرة في بناء مسار النموذج الجديد للنمو باقتناء محطة للتكرير ومنشآت إنتاجية ذات صلة بالمحروقات في إيطاليا، وإبرام اتفاق شراكة لإنجاز مؤسّسة مختصة في البتروكيمياء بالجزائر ما يمنح القائمين على الشركة وكافة مستخدميها علامة مناجيريالية كاملة.
إنّه مثال جدير بالاحتذاء لما فيه من ميزات التعامل مع الظرف الراهن بكل تحدياته المالية الناجمة عن تداعيات الصّدمة النّفطية، بحيث يعكس مدى الثّقل الذي توفّره قيمة الذكاء في قراءة معمّقة وتحليل استشرافي للمؤشرات الكلية والجزئية، والقدرة على التلاؤم مع الوضعية بجميع جوانبها من أجل انتزاع مكانة في السوق أو الفوز بحصة منها، بدل البقاء في موقع الملاحظ وانتظار حلول سحرية لا يمكن لعاقل تصديقها مثل الاعتقاد وهماً أنّ أسعار البرميل تقفز إلى 100 دولار.
وفقا لهذا النّمط السّليم في التعامل مع أزمة مالية بامتياز ناجمة عن تراجع إيرادات المحروقات، يمكن تجاوزها من خلال إحداث ديناميكية استثمارية متنوعة ومتكاملة تحقق النمو بشقيه الاقتصادي بإنتاج الثروة والاجتماعي وبتوفير فرص الشغل وتوسيع نطاقها، خاصة وأنّ المجال أصبح مفتوحا بشكل واسع أمام المبادرات والمشاريع ذات الجدوى، ولا يتطلّب الأمر سوى التشبع بالقناعة الراسخة والإيمان القوي بأنّ للمؤسّسة الجزائرية القدرة والإمكانيات للعودة بنفس جديد للخروج من دوّامة الصدمة.
مؤسّسات من قطاعات مختلفة خارج المحروقات يمكنها تقليد هذا التوجه لإحداث اختراق في جدران أسواق إقليمية وعالمية عن طريق التواجد فيها للتصدير في مجالات الفلاحة والصناعة الغذائية والأدوية، وغيرها من المنتجات المصنّعة أو استقطاب شركاء لديهم السيولة المالية والتكنولوجيا لإنجاز مشاريع في الجزائر تستجيب للطلبين المحلي والعالمي، بل يمكن للانتشار في بلدان مثل الأوروبية والأسيوية مرافقة قطاع السياحة في مسعى النهوض مجدّدا لتدارك التأخر المسجّل لعقود بالرغم من توفر كافة العناصر اللازمة للنجاح، وأبرزها الاستقرار والطمأنينة السائدة والمناخ الاستثماري المحفّز.
لذلك فإنّ التّصدير يبقى التحدي الأكبر أمام المؤسسة الاقتصادية الجزائرية سواء عمومية أو خاصة أو القائمة على الشّراكة، ولا يعدو العائق سوى أنّه يتعلّق بالحرص على تطوير سلوكات تسويقية ترتكز على احترافية في الأداء والتزام في التجسيد، وقدرة على التوقع من خلال قراءة مستمرة وشاملة للمعطيات، بحيث كلّما كان النموذج الجزائري لمؤسسة أو متعامل أو رجل أعمال على درجة من التنافسية والتحكم في التفاوض مع التميز بخصوصية المواطنة الاقتصادية، كلّما حظي بالثّقة لدى الغير والاحترام من المنافس، وينبع كل هذا الثّقل من بناء جدار للتكامل والتنسيق لتشكيل قوة يحسب لها حساب، ولا يمكن وضعها من أي كان بين قوسين لتحييدها أو عرقلة حركيتها الطّموحة.