طباعة هذه الصفحة

بين وتيرة أداء منخفض وساعات عمل أقل

مغادرة مكان العمل مبكرا وضمان أدنى حدّ من الخدمة..!

فضيلة بودريش

كلما حلّ شهر رمضان تتغيّر فيه رزنامة توقيت العمل، وتختلف حركية النشاط الاقتصادي من مؤسسة إلى أخرى، فنجد مؤسسات وورشات تسابق الزمن وتخصص ساعات إضافية ليلا من أجل تلبية الطلبيات لزبائنها في السوق، في حين في بعض الشركات يتقلص جهد العامل ويتراجع مردوده بفعل صيامه وسهره لساعات طويلة في الليل، مما يصعب عليه الاستيقاظ باكرا، وبالتالي التمتّع بالحيوية اللازمة تماما مثل باقي أشهر السنة للعطاء في مجال عمله كما ينبغي. وخلاصة القول إن البعض يعاني في رمضان من الكسل وعدم القدرة على العمل فيفضل النوم نهارا والاستيقاظ ليلا.
بخلاف السنوات القليلة الماضية حلّ شهر رمضان الفضيل هذا العام في موسم الربيع، واتسم الجو الربيعي بطقس لطيف نوعا ما وأحيانا مال إلى البرودة الخفيفة، وليس في العطلة الصيفية حيث كان يجبر لفح الحرارة العمال والعاملات على اقتطاع عطلتهم السنوية، وصحيح أن الصورة العامة تعكس تراجع رتم العمل في رمضان مقارنة بباقي أشهر السنة، لكن الأمر مختلف في بعض ورشات الخياطة والمؤسسات الاقتصادية التي تعتمد على العمل الجزافي للشخص أو المكثف إلى غاية إنهاء العمل المتفق عليه..
ساعات إضافية ليلا لتلبية الطلبيات
«الشعب»، حاولت الاقتراب من السيدة سعيدة مختاري صاحبة ورشة خياطة، والتي لم تخف بأن طلبيات السوق والاتفاقيات التي أبرمتها مع محلات البيع بالجملة تلزمها على احترام ساعات العمل الثمانية، وأحيانا الحضور رفقة عاملة أو عاملتين بعد الإفطار، من أجل إنهاء طلبية معتبرة من المآزر، حتى تكون جاهزة للتسويق نهاية شهر جويلية المقبل، إلى جانب بعض ألبسة العيد المخصّصة للفتيات والتي تشارف طلبياتها على الانتهاء، وتتمثل في فساتين وتنورات على وجه الخصوص، حيث تنزل السوق يوميا على حسب تأكيدها.
واعترفت السيدة سعيدة بأن ورشتها تحاول أن تبقى على ساعات العمل العادية، وإضافة بعض الساعات ليلا إن اقتضى الأمر، حيث لا يسري عليها أن الجهد يتراجع والعمل تنخفض وتيرته في شهر الصيام.
يذكر أنه يعمل بورشة الخياطة التي تمتلكها السيدة سعيدة بالعاصمة 10عاملات وعاملين، وتقوم باقتناء أقمشة محلية واستيراد أخرى في الكثير من الأحيان، وترى هذه الخياطة الماهرة التي لديها في المهنة ثلاثة عقود كاملة، وتعرف جيدا السوق الجزائرية، أنه لو تشجع صناعة الألبسة محليا لإنصرف الجزائريون عن اقتناء المنتوج المستورد كما هو الحال عليه اليوم، لأنه في غياب البديل تسيطر السلع المستوردة وبأسعار متفاوتة، وتتمنى لو توسّع ورشتها إلى مصنع متوسط وتتخصّص في صنع ألبسة للأطفال، ولما لا الانتقال بعد ذلك إلى صنع الأحذية، وتشغل المزيد من العمال، كونها تطمح إلى تشغيل ما لا يقل عن 100 عامل.
من بزوغ الفجر إلى منتصف النهار
لم يتردّد السيد إسماعيل باشا في الرد على كل الأسئلة التي طرحت عليه حول نظام العمل الذي يطبقه في جني ثمار بستانه الشاسع الذي يضم أشجار الخوخ والمشيمشة، إلى جانب تخصيصه لمساحة شاسعة لغرس السلطة والبقدونس والنعناع التي يشرف على قطفها بنفسه، بينما بالنسبة لثمار الفواكه فهو يستعين بعمال خاصة من الشباب بأجر يومي يتفق عليه معهم مسبقا، أي قبل الشروع في العمل. وأوضح بأن مهنة الفلاحة تتطلّب الاستيقاظ باكرا والنوم كذلك في وقت مبكر من المساء أو الليل، لأن بداية العمل تكون مع بزوغ ضوء الصباح الباكر، أي في حدود الخامسة و النصف أو السادسة صباحا، إلى غاية الحادية عشر صباحا أو منتصف النهار حسب الكمية المحدّدة لنقلها إلى السوق، ناهيك عن وجود عاملين مخصصين لانتقاء أحسن الثمار وترتيبها داخل الصناديق بشكل متناسق وجيد، وأرجع هذا الفلاح حركية العمل وسرعة رتمه على مدى نضج الثمار، أما بخصوص قطف السلطة والبقدونس ومختلف بقية الأعشاب العطرية، فإنه ينتهي من ترتيبها داخل الشاحنة قبل الساعة الثامنة صباحا، لتكون متوفرة في السوق في وقت باكر من الصباح.
اقتطاع العطلة في رمضان
بينما من الأعمال التي قد تتقلص فيها ساعات العمل نذكر ورشات الميكانيك، حيث لا تفتح إلا بعد التاسعة صباحا، وينتهي بها العمل في حدود الثانية بعد الزوال، بعكس أيام بقية الأشهر الأخرى، حيث يلتحق الميكانيكي ومساعديه في حدود الثامنة صباحا وتغلق الورشة أبوابها في حدود الساعة الخامسة مساء، وهذا ما أكده «رضوان لبجع» شاب في عمر الـ22 ربيعا عامل بورشة ميكانيك، حيث ذكر بأن العمل والجهد ينقص في رمضان، مرجعا ذلك إلى الصيام الذي يجعل العامل ليس في كامل قوته، وبالتالي طاقته تتراجع ومن ثم يتراجع إنتاجه، وإن كان هذا الشاب يفضل لو يعمل ليلا وينام في النهار، لأنه يشعر عندما يكون صائما بالضعف ويتعب بسرعة ولا يركز كثيرا في عمله، غير أن الورشة لا تفتح ليلا، ولا يمكن رد الزبائن في النهار، حيث أن الزبون يفضل أخذ سيارته في زمن قياسي، ويستعجلهم في صيانته في وقت قصير. وعلى غرار رضوان يميل العديد من الشباب إلى النوم في النهار والسهر ليلا، وهناك من يلجأ إلى اقتطاع عطلته السنوية في شهر رمضان، كونه يستحيل أن يعمل وهو صائم. وقال «كريم.ن» عامل بمصنع لـ»المصبرات» أنه على مدار عشر سنوات كاملة من العمل في هذه الشركة، لم يعمل ولو لمرة واحدة أو يوم واحد في شهر رمضان، لأنه يسهر ليلا وينام طيلة ساعات النهار، وأخبرنا بأن العديد من أصدقائه مثله لا يمكنهم العمل في شهر رمضان، ويعتقد هذا الشاب على حدّ تقديره بأن العطاء يتراجع في رمضان وسط النشاط الاقتصادي، كون العديد من العمال يغادرون مكان عملهم في أوقات مبكرة وقبل تلك المحددة، أي رغم أن توقيت الخروج في حدود الثالثة والنصف مساء، فإن العديد من العمال خاصة من النساء يغادرن في حدود الساعة الثانية بعد الزوال.
وبخلاف ذلك قالت «حورية. ش» موظفة، بأن مدير المؤسسة يقترح عليهم أخذ العطلة السنوية في شهر رمضان، حتى ينظم جيدا جدول العطل ويضمن سيرورة العمل في فصل الصيف، لكن جميع العمال يرفضون، كون ساعات العمل في شهر رمضان قليلة وضغط العمل أخف، فلا عامل يقبل بأن يستفيد من عطلته السنوية في شهر الصيام، على اعتبار أن مغادرة مكان العمل يكون في الغالب مبكرا، ويمكن القول من دون مبالغة أن أداء العمال يكون أشبه بضمان أدنى حد من الخدمة..؟
بالفعل إنها عينات عن واقع أداء النشاط الاقتصادي والتي تعكس صورة واضحة تتمثل في أن العمل في شهر رمضان بات يتأرجح بين وتيرة أداء منخفض وساعات عمل أقل، والمسؤول الأول والأخير عنها ليس الصيام وليس شهر رمضان الفضيل، وإنما العامل الذي يتكاسل ويقل جهده ويضعف عطائه، ومن المفروض أن واجبات العامل ووتيرة عمله لا تقل كون الصوم كذلك مثل باقي العبادات الأخرى، ولا ينبغي أن يؤثر الامتناع عن الأكل والشرب لساعات معدودة في نفس وتيرة الاحتراق في العمل كون النشاط الاقتصاد هو العمود الفقري للحياة الاجتماعية.