تطل علينا ذكرى النكبة 77 في مثل هذا اليوم الحالك بلونه الأسود المشؤوم في تاريخ شعبنا المعبد بدماء آلاف الشهداء والجرحى والأسرى، تأتي علينا ذكرى أليمة على أبناء شعبنا العظيم، لنكبة فلسطين الكبرى عام 1948م، ذكرى تحمل في طياتها ألماً وقهراً وقتلاً وتدميراً وتهجيراً لآلافٍ من الفلسطينيين من مدنهم وقراهم التي تجاوزت الخمسمائة مدينة وقرية فلسطينية وقتها على يد عصابات الهاجاناه واشترين والأرجون في محاولةٍ لتدمير وشطب الهويةِ الفلسطينيةِ الوطنية، ومحو المعالم التاريخية والجغرافية لهذه الأرض المغتصبة.
نحن اليوم نعيش نكباتٍ كثيرةٍ ومتعددة نعاني الويلات تلو الويلات منذ الأزل، فالتاريخ يعيد نفسه، وكأن شعبنا على موعد مع نكبة جديدة وخطة التهجير القديمة المتجددة ستنفذ قريبا على أيادي البطش الاحتلالي الغاشم، فمن المعلوم أن قضيتنا الوطنية ما زالت تتعرض لأشد أنواع المؤامرات، في محاولة لطمسها وإنهائها، وأن شعبنا الأبي دفع ثمنا باهظا من قتل وألم وقهر وتجويع، فمنذ حرب الإبادة الجماعية التي بدأت في الثامن من أكتوبر لعام 2023 م التي لم ترحم طفلا ولا شيخا ولا رجلا ولا امرأة، بل ازداد الأمر تعقيدا في إغلاق المعابر وعدم إدخال المساعدات لأبناء شعبنا، سياسة التجويد لتركيع هذا الشعب العظيم. حتى أصبح يتضور جوعا فلا طعام ولا شراب في قطاعنا الحبيب، بنية تحتية دمرت. وبيوت ومؤسسات طحنت.
وليست الضفة والقدس أحسن حالا من قطاع غزّة، فعدوان يعقب عدوان يفتك بشعبنا، ويقضي على من هو على قيد الحياة معليا صوته هذه أرضنا ولن نتخلى عنها، لها الأرواح رَخُصَت. والدماءُ في سبيلها سالت، فكيفَ لنا أنْ نُضَيِّعَ تُراثاً يُثبتُ وجودَها ويؤصِل تاريخها فما يمكن أَنْ نقدمه لهذه الأرض التي ننتسب إليها، والتي امتزجت دماؤنا بترابها، وقدمنا من أجلها آلاف الشهداء والجرحى والأسرى والكثير الكثير من التضحيات الجسام، لذا فقد آثرت الحديث عن الوطن المجروح في يوم نكبته الأليمة، والذي نَحِنُّ إليه كلَ يوم، لأنه إِرْث الآباء والأجداد، الذين وُلدوا وترعرعوا بين أحضانه وعلى أراضيه، ثم هُجِّروا من قرُاهم إلى بِقاعِ الأرض، إلى عمان، وبيروت، ودمشق، وقطاع غزّة، فبقيت الذكرى والذاكرة في الحفاظ على موروثهم التاريخي أمانةً يتوارثها الأجيالُ جيلاً بعد جيل.
إنَ المأساة الإنسانية التي حلَت بالشعب الفلسطيني عام 1948 م كانت مُدمِرة، فقد طُرد ونزح من الأراضي التي سيطر عليها الكيان الصهيوني حوالي 975 ألف عربي فلسطيني، أيْ ما نسبته 66 % من إجمالي الفلسطينيين الذين كانوا يقيمون في فلسطين التاريخية عشيةَ حرب عام 1948 م، وذلك حسب تقديرات الأمم المتحدة عام 1950 م، حيث شكلت النكبة ضربةً قاسيةً في صميم الأرض، والقضية والإنسانية بأسرها وطنياً وجماهيراً وتاريخياً، وفصلاً حاسماً ومشهداً مروعاً من مشاهد الألم والقتل والإبعاد والتهجير قسرا، لكننا ما زلنا بعوْن الله صامدون متجذرون بهذه الأرض بتشبثنا بها فلا تفريط ولا تنازل عنها، لأنها أرض الآباء والأجداد ورثناها أمانةً وعهداً جيلاً بعد جيل.
مما لا شك فيه، أنَ قضيـة اللاجئين هي جوهر القضية الفلسـطينيـة، فلا يمكن أن تتم أي تسويـة لقضية فلسطين دون إيجاد حل للاجئين الذين ُشردوا من ديارهم عام 1948 م، وأُبعدوا عن أراضيهم، بأساليبٍ وحشية استخدمتها العصابات الصهيونية الحاقدة من بطش وقتل وإرهاب جسدي ونفسي، لتخويفهم وترهيبهم من أجل الفرار والسيطرة على مدنهم وقراهم، لقد شكلت الهجرة عام ١٩٤٨م علامةً فارقة في تاريخ شعبنا العظيم، بل في تاريخ أمتنا العربية والإسلامية واستحقَ الفلسطينيُ وعن جدارة وسام شرفٍ وعزٍ وفخار بما لقيَه - وما زال يُلاقيه - من شتى أنواع العذابات وصنوفها الموجعة، لكنْ لطالما تذكرَ الآباءُ والأجدادُ أرضهم حينها يزداد في المقابل تمسكهم بحقهم في العودة، فما زالت لديهم مفاتيح بيوتهـم وسندات ملكية أراضيهم وبيوتهـم، والتي تشكل شعار عودتهـم وفقاً لقرارات هيئة الأمم المتحدة والمواثيق الدولية المتعلقة بالقضية الفلسطينية وخاصة حق العودة، والتي أكدت عليها مراراً وتكراراً منها قرار (194) لسنة 1948 م، فلا تنازل ولا تفريط بهوية الوطن واللاجئ معاً لأنهما ركيزة المستقبل لعودة الوطن المسلوب بإذن الله.
فبرغم كل هذه الإجراءات التعسفية، وبرغم حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزّة. حيث قدم شعبنا أكثر من 65 ألف شهيد ومفقود. و12 ألف جريح، ناهيك عن الثكالى والأرامل والمعاقين وغيرهم من الفئات التي مزقها القصف الوحشي ألما وقهرا. إن الشعب الفلسطيني لم ولن ينس الظلم والقهر الذي لحق به، ومازالت دولة الاحتلال الغاشم تمارس شتى صنوف العذاب بحق وطننا وشعبنا ومدننا وقرانا.
إننا اليوم ومن منطلق مسؤوليتنا الوطنية والإنسانية والشعبية نقول:
- أولاً: ضرورة وقف الحرب المسعورة على شعبنا الأبي في قطاعنا الحبيب في غزّة والضفة والقدس.
- ثانيا: التأكيد على أن هذا الشعب شعب الصمود والثبات أمام ترسانة الاحتلال الغاشم وأنه لن يفرط بأي شبرٍ من أرضه مهما طال الزمان أم قصر، وأن القضية الفلسطينية لن تسقط بالتقادم.
- ثالثاً: نُطالب كافة دول العالم للتدخل لفتح المعابر وإدخال المساعدات الإنسانية لقطاع غزّة، فالمجاعة تحيط بشعبنا منذ سبعين يوما فأكثر.
- رابعاً: تحكيم لغة العقل والمنطق والالتفاف حول منظمة التحرير الفلسطينية والشرعية الفلسطينية بقيادة الرئيس أبو مازن والجزائر ومصر والسعودية وكل العرب المدافعين عن القضية الفلسطينية لتخليص شعبنا مما يتعرض إليه الآن.
- خامساً: ضرورة إقامة الفعاليات الوطنية (الجماهيرية-الإعلامية-الثقافية-التاريخية) والتي تحافظ على الهوية الوطنية الفلسطينية في محاولةٍ جادة لتذكير الأجيال كلها بهذه الذكرى الأليمة على قلوبنا جميعا.
- سادساً: التأكيد على ضرورة إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف.
- وأخيراً عاشت فلسطين حرة عربية وعاش شعبنا الأبي
الإبادة الجماعية مستمرّة..
سبع وسبـعـون نكـبة..وصـمـود
كتب: د. فيصل عبد الرؤوف فياض

شوهد:219 مرة