متنفـس عـبرَ القضبـان (124)

بقلم : حسن عبادي/ حيفا

بدأت مشواري التواصليّ مع أسرانا الأحرار رغم عتمة السجون في شهر جوان 2019 (مبادرة شخصيّة تطوعيّة، بعيداً عن أيّ أنجزة و/أو مؤسسّة)؛ ودوّنت على صفحتي انطباعاتي الأوليّة بعد كلّ زيارة؛ أصدرت كتاباً بعنوان “يوميّات الزيارة والمزور– متنفّس عبر القضبان”..

 تناول الكتاب زياراتي لأحرارنا حتى السابع من أكتوبر 2023، وتم إشهاره يوم 18.10.2024 في معرض عمان الدولي للكتاب (دار الرعاة للدراسات والنشر وجسور ثقافيّة للنشر والتوزيع). وأصدرت كتاباً آخر بعنوان “زهرات في قلب الجحيم” تناول زياراتي لحرائرنا (دار الرعاة للدراسات والنشر وجسور ثقافيّة للنشر والتوزيع). ونشرت في حينه خاطرة بعنوان “صفّرنا الدامون”...

وخاب أملي.

عُدت لزيارة الدامون لمواكبة وضع حرائرنا كي لا تستفرد بهن سلطة السجون؛ عقّب الصديق وليد الهودلي: “اللهم فرجك..شكرا لمن يحررون الألم ليشاهده الناس”؛ وعقّبت الأسيرة المحرّرة سهام أبو عياش: “اللهم فرجاً قريباً من عندك يا الله. أشاهد المنشور ودموعي منهارة. الحمد لله عاد الأستاذ حسن عبادي لزيارة الأسيرات”. وعقّب الصديق قدري أبو واصل: “الحرية لك بنان ولجميع أسيرات الحرية والشكر موصول لك عزيزي على جهودك العظيمة في الاطمئنان على وضع أسيراتنا وأسرانا في السجون”؛ وعقّبت الصديقة سحر أبو زينة: “آه بنعرفك حبيبتي بنان، ع قد حالك ما شاء الله عنك...عجنتك الخطوب وشدت من عزيمتك...اللهم يا فارج الكرب فرج همنا. يعطيك العافية أستاذنا”؛ وعقّبت الأسيرة المحرّرة إيمان فطافطة أعور: “بارك الله فيك أستاذ حسن وشكرا جزيلا على كل ما تقوم به بالنسبة للأسرى والأسيرات. كان الله بعونها وربط على قلبها وأعظم أجرها بوفاة والدتها، وأسال الله أن يجمع شملها مع والدها وإخوتها بالحرية قريبا”. وعقّبت فاديا هاشم أم علي: “ يسلمو كثير على إبقاء الأسرى حاضرين بالذاكرة. أقل شيء متابعتك ومشاركة منشوراتك مؤتمن وأمين عليهم”.

شدّة وبتزول..

زرت صباح الأحد 25 ماي 2025 سجن الدامون في أعالي الكرمل السليب لألتقي بالأسيرة بنان جمال عبد السلام أبو الهيجا (رُصرص) (مواليد 04.11.1985)، وبعد إجراءات تنكيليّة مُشدّدة، على غير العادة، دخلت غرفة المحامين وكانت بنان بانتظاري.
قبل أن نبدأ حديثنا أخبرتني أن الأسيرات شهد درواشة وإيمان شوامرة وبشرى قواريق لم يحظين بزيارة محام منذ لحظة الاعتقال، وطلبت إيصال رسائل طمأنة وسلامات من الأسيرات حنين جابر، فداء عساف، دلال الحلبي وابنتها إسلام، آية عقل-خطيب وشاتيلا أبو عيادة لأهاليهن.
حدّثتني بدايةً عن زميلات الزنزانة رقم 3 (شاتيلا، ياسمين شعبان، شهد حسن وربى دار ناصر)، ووضع السجن؛ 35 أسيرة، 3 أسيرات من الداخل الفلسطيني، أسيرة من غزّة (سهام أبو سالم، سبعينيّة)، المقدسية تسنيم عودة والباقي أسيرات من الضفة الغربية، أسيرتان حوامل وأسيرتان تعانين من مرض السرطان دون أدنى علاج. الوضع في سجن الدامون سيئ للغاية، فش كانتينا، وفش راديو، “الأشناب” مسكّر كل اليوم ويُفتح فقط لحظة توزيع الأكل، الأكل شحيح جداً، وكذلك الصابون للتنظيف. صادروا كلّ الملابس “أعطوني بنطلون بيجامة مُغّيط وفانيلا رجّالي، والجلباية من الصبايا”، الفورة 45 دقيقة تشمل حمّام (ستائر بلاستيكية) وتوزيع وجبة الفطور، ممنوع حلقات دراسة، لا أوراق ولا أقلام ولا كتب، كلّها باتت من الممنوعات، ويسمح بمصحفين في كلّ زنزانة. حدّثتني بتفاصيل الاعتقال..
«صبيحة الأربعاء 07.05.2025، كنت بسيارة عموميّة 7 ركّاب بطريقي لزيارة والدتي في المستشفى، فجأة، بجانب جسر حاجز جبارة، طلع الجنود من بين الشجر وهجموا على السيارة وانتشلوني منها، كلبشوني بكلبشات بلاستيكية، وأغمضوا عيوني بضمّادة، ودفشوني لجنب، وبقيت في الشارع حتى ظهر الخميس، واقتادوني لتحقيق صوري شمل مسبّات وشتائم وتهديد ووعيد، وآلمتني المسبّات على أخي الشهيد حمزة، وأخذوا الجوال “في كل صور حياة إمي”. ومنها إلى معتقل هشارون، تفتيش عارٍ بالكامل، ظروف وحشيّة، “وأبقوني هناك من الخميس حتى الأحد، واقتادوني إلى الدامون لأمرّ بطقوس مُهينة ثانية”.
نُقلت إلى تحقيق سالم، لتُصعق بخبر وفاة الوالدة، رحمها الله. المعاملة في سجن الدامون سيئة للغاية، صياح كل الوقت، عقابات ع الطالع والنازل، عزل تام عن العالم وأخباره، تفتيش زنازين مفاجئ وقمعات، السجان بلِف بالليل مع كشّاف “مما يجبرنا على النوم مغطّيات روسنا”. قلقة على والدها ومرض السكابيوس الذي يطارده في سجن ريمون الصحراوي، وأخويها عاصم وعبد السلام والاستئناف والعليا (إن شاء الله يروحو أو يوخدو جوهري)، وأخوها عماد المعتقل عند السلطة رغم أنه أخد قرار إفراج وتتساءل: “ما هو الجرم الذي ارتكبه عماد ليُحرم من أن يكون بجانب والدته وهي بأمس الحاجة له؟ ألا يخجل سجّانه من نفسه؟ عماد خرج من سجون الاحتلال إلى سجون السلطة بدون تهمة.
تهمته الوحيدة أنّه يحب وطنه وأنّه إنسان وطني شريف وحدويّ. هذا جزاء الأحرار. لم يخجلوا من أنفسهم وحرموه من أن يكون بجانب والدتي حين كانت مريضة في حالة الخطر، زوجها وأبناؤها في سجون الاحتلال، والسلطة أكملت الدور على أكمل وجه باعتقال عماد. والدي واخوتي حُرموا من وداع أخي حمزة وها هم يحرمون من وداع والدتي”.
طلبت إيصال رسائل مؤثّرة للعائلة، فرداً فرداً، وخصّت بالذكر أولادها الأربعة (تُقى، جنى، حمزة، وغنى) وزوجها عبد الله، ورشا وساجدة وغفران وفداء كلّ من يسأل عنها. حين افترقنا قالت فجأة: “بالله عليكم، وصّلوا لأبوي وأخوتي، أنا كثير منيحة. بنتكم كيف بتعرفوها، ع قدّ حالها، شدّة وبتزول”. لك عزيزتي بنان أحلى التحيّات، والحريّة لك ولجميع أسيرات وأسرى الحريّة.

يحيى صار يافا

حين أنهيت لقائي بسيرين في سجن الدامون في أعالي الكرمل السليب، أطلّت الأسيرة زهراء محمد عبد (أبو سرحان) الكوازبة (مواليد 23.12.1987) من خلايل اللوز/ بيت لحم، وحين لمحت الاسم بأوراقي سألتني: “كيف عرفت أبو سرحان؟”، فذكرت اسم أخيها معاذ فبلّشت بنحيب متواصل.
المكان سيّئ جداً وقويّة ع شانهم وبفضل دعواتهم. طلبت بداية إيصال سلاماتها واطمئنانها على أولادها كرم وزين وفرح، وأضافت: ليلى وسارة ووديع وليان وكارمن، فعقّبت: “كلّ علمي عندك ثلاثة”، فأجابت: “ولاد فادي..أغلى من ولادي”، اشتقت للكل. يسامحوني على اللّي صار.
«رحت على المستشفى لفحص، بيّن أنّي حامل ببنت، الحمل خطير شويّة، لازم خُزعة من البيبي ورفضت، متوقّع ولادة بكل لحظة، ما بدي خزعة، ممكن تسبّب تنزيل الجنين”، أخذوني ع المستشفى مع كلبشات مدمّجة (إيدين + إجرين + مع بعض)، وكلب بالبوسطة.
كنت متوقعة يحيى...رجعت من الفحص وقلت للبنات: “يحيى صار يافا”. حدّثتني عن زميلات الزنزانة رقم 3 (رماء بلوي، سالي صدقة، ياسمين شعبان، حنين جابر، فداء عساف) وباقي الأسيرات في المعتقل. الوضع لا يُطاق. حدّثتني عن الاعتقال؛ يوم 01.04.25، على حاجز طيّار قرب معاليه أدوميم، بالطريق من أريحا، ما كنت متوقعة. أخذوني لعتسيون، تفتيش مقرف ومخجل، تحقيق بوستات، ومنها للمسكوبية (23 يوماً)، صابني تشنّج بالليل ووقعت، ومن هناك للشارون لليلة واحدة “مقرف وقذر جداً جداً جداً” وبعدها للدامون، استقبال بالضرب “عيني اليسار وإجري اليمين، أخذو الجلباب بالقوة، دم من ثمّي ووجهي، اشتكيت عليهم “مش مستعدّة أتنازل عن الجلباب”. سلّم على أهل أبو وديع كلّهم، وسلفاتي، بحبهم كثير، وعلى أهلي، وجوزي، وطمنوني على فرح وكِنان، وليلى تسلّم على حماتها. حين افترقنا وعدتها ببدء حملة دوليّة لإطلاق سراحها ويافا لتلد خارج القضبان.
 لك عزيزتي زهراء (ويافاك) أحلى التحيّات، والحريّة لك ولجميع حرائر الدامون.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19808

العدد 19808

السبت 28 جوان 2025
العدد 19807

العدد 19807

الخميس 26 جوان 2025
العدد 19806

العدد 19806

الأربعاء 25 جوان 2025
العدد 19805

العدد 19805

الثلاثاء 24 جوان 2025