مـوت مستمـر وإبــادة لا تتـوقّف

بقلم: بهاء رحال

 يَكتُبُ أحدُ النّاجين حتى الآن من أهوالِ حربِ الإبادةِ المُستمرّةِ في غزّة، لقد أَفقدتنا هذه الإبادةُ كثيرًا من إنسانيّتنا، فتجدُنا جِياعًا نركضُ خلفَ شاحناتِ المساعداتِ لنلتقطَ منها ما يَسُدُّ جُوعَنا وعطشنا ولو مؤقّتًا، بينما تَقصِفُ الطائراتُ الناسَ فيسقُطُ منّا قَتلى وجَرحى، ويظلُّ شُغلُنا الشاغلُ عند تلك اللحظاتِ هو الإمساكُ بحفنةٍ من الطعام، دونَ النظرِ خلفَنا حتى لا نَضيعَ أثرَ الشاحناتِ التي نركضُ خلفَها.

 هذه الحربُ أَفقدتنا شيئًا من إنسانيّتنا، يُواصلُ القولَ وهو يَشكو مَصائبَ الناسِ ووَجعَ الفَقدِ والجُوعِ والعَراءِ المُمتدِّ من شمالِ القِطاعِ وحتّى جنوبِه، ومعَ كلِّ يومٍ يَمرُّ تتّسعُ رُقعةُ المعاناةِ ويَزدادُ الوجعُ ويَعلو نَحيبُ الناسِ، وقد باتَت أقدارُنا مُستحيلةَ العَيشِ، فترى الأُمّهاتِ يَحْكُنَ من أطرافِ أثوابِهِنَّ أكفانَ الصِّغارِ، وتجد الآباء يصرخون في وجه قهر الأيام والظلم الذي يطارد وقتهم وزمانهم. كلما التقط أحدُهم الاتصال عبر شبكة الإنترنت المتقطعة بفعل قصف الشبكات، كتب بعض الشواهد من حوله، وكثيرًا ما تضيق حدود العبارة في أفواه عطشى، وأجساد أنهكتها أيام الإبادة.
لكنهم يصرّون على فعل الكتابة، لأنهم الشهود الأحياء، بواجب ضمائرهم، وحقيقة معانيهم التي تكتب زمانهم بحروف من دم وقهر. هذه الحرب خطفت ضحكة الغد من على وجوه الصغار، وأرهقت قلوب الناجين حتى الآن، وما يكتبونه لا يرصد كل صور الوجع، بل بعضه، لأن الواقع أكثر صعوبة من أن يُكتب، وأكثر دموية من أي وصف، وأكثر بشاعة من أن يُروى.
إن ما يعيشه الناس في غزة أغرب من الخيال، تحت وقع القصف المستمر، وفي هذا العراء الممتد، بلا مقومات حياة أو عيش، ولا صوت يتحرك عاجلًا لإنقاذ الناس من هذه الإبادة التي تحاصرهم من كل الجهات، وبينما يتطلعون لصفقة ترفع عنهم هذه المقتلة، فإن أصوات الوسطاء تعلو ثم تخفت، وبين الفينة والأخرى تبتعد الآمال ثم تقترب، ولسان حال الناس يستجدي وقف الحرب بأسرع وقت، وصوتهم يعلو بالدعاء والرجاء. فهل يسمعُ العالمُ نداءَهم؟

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19813

العدد 19813

الخميس 03 جويلية 2025
العدد 19812

العدد 19812

الأربعاء 02 جويلية 2025
العدد 19811

العدد 19811

الثلاثاء 01 جويلية 2025
العدد 19810

العدد 19810

الإثنين 30 جوان 2025