في كل بقعةٍ من فلسطين، الليل ليس زمنًا للراحة. الليل موعدٌ للرعب. في فلسطين، لا يُطفأ الضوء لينام الأطفال، بل يُطفأ كي لا يروا جريمة جديدة تُرتكب أمامهم. خفافيش الليل، هكذا نُسميهم، أولئك الجنود المقنّعون المدججون بالسلاح، الذين يقتحمون البيوت فجأة، يفجرون الأبواب بلا إنذار، ويلقون قنابل الصوت التي تشق السكون، وقنابل الغاز التي تملأ صدور الأطفال بالبكاء والاختناق، وقنابل التنوير التي تشتعل في السماء كأنها لعنة، لا نور.
يدخلون البيت لا بحثًا عن سلاح، بل لتدمير الروح. يرمون الأب على الأرض، يركلون الشاب في صدره، يدفعون الأم نحو الحائط، ويبكون الأطفال وهم لا يفهمون لماذا هذا الجنود غرباء يفتّشون ألعابهم ويفجرون دفاترهم وكأنها تهديد؟!كل شيء يُقلب، الثلاجة، الأسرّة، الملابس، حتى حقائب المدارس. الجنود لا يبحثون عن مطلوب، بل يبحثون عن كسر إرادة، عن إذلال، عن بثّ رسالة تقول: “لسنا بحاجة لسبب كي ندمّركم”.
مداهمات الاحتلال الليلية ليست عمليات أمنية، بل إرهاب منظم. جريمة تُمارَس كل ليلة تحت جنح الصمت الدولي، وجُبن المؤسسات الحقوقية، وتواطؤ العواصم الكبرى. آلاف البيوت اقتُحمت، مئات الأطفال اعتُقلوا، آلاف النساء اختنقن بالغاز في غرف نومهن، والنتيجة: لا مساءلة، ولا محاسبة. هذا “الجيش الأخلاقي” كما يُسوّق نفسه، يدخل كل ليلة بهمجية لا يمتلكها حتى المحتلون في أسوأ حقب التاريخ. يُرعب، يُدمر، يختطف، يزرع الخوف ثم يرحل، ليعود من جديد في الليلة القادمة.
لكن، رغم كل شيء، لا ينتصر الاحتلال. لأن الفلسطيني، حتى وهو مرعوب، لا ينكسر. يعيد ترتيب البيت، ويزرع صموده بين الركام، ويهمس لطفله المرتجف: “لا تخف، نحن أصحاب الأرض، وهُم من سيرحلون”. كل بيت اقتحموه، سيشهد عليهم. كل طفل فزع في الليل، سيحفظ أسماءهم في ذاكرته. وكل أم مسحت دموع ابنها بعد المداهمة، ستكون نواة جيل لا يرحمهم يوم الحساب..