عائلـة المرحـوم الحـاج توفيق أبـو هليل..

وجعٌ لا ينتهـي وقلوب تنتظـر الفـــرج

بقلم : امجد النجار - مدير عام نادي الأسير

في مدينة دورا جنوب الخليل، تقف أم فلسطينية شامخة رغم انكسارات القلب، تصارع المرض والوحدة، وتقاوم ألم الفقد ووجع الانتظار. هي الحاجة حميدة عمرو أبو هليل، المربية الفاضلة التي أفنت ثلاثين عامًا من عمرها في تربية الأجيال، لتجد نفسها اليوم محاطة بجدران الحزن والوحدة، بعد أن خطف الاحتلال منها كل ما تبقّى من سكينة.

منذ أن غيّب الموت زوجها، الحاج توفيق أبو هليل، والعائلة تعيش تحت وطأة الاستهداف المستمر. أبناؤها الثلاثة عمرو، عامر، وعمار، جميعهم رهن الاعتقال في سجون الاحتلال، حيث تتابع الأم المكلومة فصول الألم، اعتقالًا بعد آخر، واقتحامًا تلو الآخر، حتى أضحت جدران منزلها شاهدة على عشرات المداهمات الليلية، والرعب الذي لا يعرف نهاية.

أبنـاء رهن السجون.. وآبـاء لأطفال حُرموا منهـم

الأبناء الثلاثة، وهم جميعًا متزوجون وآباء لأطفال صغار، يعيشون اليوم خلف القضبان، فيما تحاول الحاجة حميدة أن تملأ فراغهم في حياة أطفالهم، وتداوي بأسى القلب جراح زوجاتهم. لكن كيف لقلبٍ أنهكته السنون والمرض أن يحتمل هذا الكم من الغياب؟
آخر الاعتقالات كانت قبل أسبوع، حيث اقتحمت قوة خاصة من جيش الاحتلال منزل العائلة في مدينة دورا، واعتقلت الشقيقين عامر وعمار توفيق أبو هليل، لتنضم آلامهم إلى مأساة شقيقهم الأكبر عمرو توفيق أبو هليل، المعتقل منذ نوفمبر 2023، والذي يعيش اليوم معاناة إنسانية وصحية تتفاقم يومًا بعد يوم.

عمرو.. أسيرٌ يصارع السرطان خلف القضبان

الأسير عمرو توفيق أبو هليل (27 عامًا)، من مدينة الخليل، لا يعاني فقط من السجن، بل من مرض السرطان في الغدة الدرقية والأحبال الصوتية، إلى جانب معاناته من أمراض في القلب، وقد فقد أكثر من 14 كيلوغرامًا من وزنه منذ لحظة اعتقاله بتاريخ 19/11/2023. ورغم كل هذا الألم، لم تُكسر عزيمته. ففي غيابه القسري، وُلد طفله الأول بتاريخ 03/03/2024، طفلٌ لم يرَ والده بعد، ولم يلمس كفّه الدافئة، يعيش حنانه فقط في صورٍ باهتة وحكاياتٍ حزينة تُرويها الجدة. عمرو ليس غريبًا عن السجون، فقد قضى ما يقارب 5 سنوات خلف القضبان، ليعود من جديد إليها، ولكن هذه المرة، بجسدٍ منهكٍ وروحٍ تقاتل من أجل الحياة.

أمٌ على مشارف الانهيار.. لكنها لا تنكسر

الحاجة حميدة عمرو، لم تتقاعد يومًا من واجبها تجاه الوطن، حتى بعد تقاعدها من سلك التربية والتعليم. فبين أروقة المحاكم والسجون، وبين المستشفيات وزيارات الأهالي، تعيش الأم قصة صمود لا تشبه إلا نساء فلسطين. تقف وحدها، تحمل بيدٍ صورة ابنٍ مريض، وباليد الأخرى حقيبة ملابس لابنٍ اعتُقل فجرًا. تقول الحاجة حميدة: “لم أتقاعد بعد... كنت أظن أن التقاعد راحة، لكنني وجدت نفسي في معركة أصعب. بعد وفاة والدهم، أصبحت الأم والأب، وأحمل في قلبي ألف خنجر، ولا أزال واقفة بفضل الله.”

نـداء إنسـاني لا يعـرف السياسـة

قضية عائلة أبو هليل ليست مجرد أرقام في تقارير الأسرى، بل حكاية وجع فلسطيني يتكرر كل يوم. هي صرخة إنسانية، تطالب بإنقاذ حياة الأسير المريض عمرو، وبإنهاء معاناة أمٍ لم تعد تحتمل المزيد. في زمنٍ تُرفع فيه الشعارات، تبقى الحاجة حميدة رمزًا لصمود الأمهات، ولتلك العائلات التي تعيش خلف الكواليس، وتدفع أثمانًا باهظة بصمت.

ختامـــًا...

عائلة المرحوم الحاج توفيق أبو هليل ليست مجرد عائلة فلسطينية، بل مرآة تعكس معاناة آلاف العائلات التي تعيش تحت قيد الاحتلال. ومع كل فجر يُعتقل فيه ابن، تكتب الأم حميدة فصلاً جديدًا من الصبر، وتبتهل أن يأتي يومٌ تفتح فيه الأبواب، وتعود الأيدي لتمسح دموع الأطفال، وتحتضن القلوب من جديد.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19885

العدد 19885

الخميس 25 سبتمبر 2025
العدد 19884

العدد 19884

الأربعاء 24 سبتمبر 2025
العدد 19883

العدد 19883

الثلاثاء 23 سبتمبر 2025
العدد 19882

العدد 19882

الإثنين 22 سبتمبر 2025