نقطة إلى السطر

...«الفاهم يفهم»

فتيحة كلواز

لم يكن أي أحد يتوقع ان نصوم الشهر الفضيل دون كل تلك العادات والتقاليد التي تميزه والتي تجعل منه شهرا يظهر المجتمع فيه تمسكه بهويته الإسلامية واعتزازه بها، لكن، منذ ما يقارب الثلاث سنوات، تحولت هذه الأيام المباركة الى مجرد فرصة ذهبية لرفع نسب المشاهدة يعكسها منحنى «لوغارتمي» يتراوح بين صعود وهبوط.
كانت الشبكة البرامجية الخاصة بالشهر الفضيل من قبل سببا قويا يجمع العائلة الجزائرية لرسم الابتسامة على وجوه افرادها في لمة رمضانية غالبا ما تكون في قاعة الجلوس يزين مائدتها إبريق الشاي والحلويات المعسلة كـ «الـمحنشة» و«الصامصة» و»قلب اللوز»، وعكس ذلك تماما تبقى العائلة اليوم في حالة ترقب عند مشاهدتها لإحدى البرامج الترفيهية على قنوات خاصة خوفا من أي مشهد يخدش الحياء او يكسر «حرمة» العائلة، لذلك لا يمكن ترك لوحة التحكم بعيدة عن يد صاحبها حتى يتم تغيير القناة في حالة الضرورة. وهذا امر خطير جدا على الأجيال الناشئة التي وجدت نفسها تائهة بين ما تقدمه العالمية من خلال مواقع التواصل الاجتماعي والانفتاح التكنولوجي، وما تقدمه قنوات خاصة من مضمون اعلامي ضعيف.
لا يمكن استثناء الكلام المستعمل في تلك البرامج، الذي أصبح «كلام شارع» أكثر منه كلام دارجة مهذبة و منتقاة بعناية، ولن يكون الضيوف بأحسن حالا فغالبا هم ممن لا يذكر اسمهم في العائلات المحترمة، بفضل تلك القنوات أصبحوا يطلون علينا في صورة النجم الملهم للأجيال، الامر الذي يثير تساؤلات حول عمل بعض القنوات التي دأبت منذ سنوات على تحويل الابداع  الى عملية مسخ لهوية مجتمع و ضرب اخلاقه، ولا يمكن وضع مثل هذه الاعمال الا في خانة المحاولات الجادة لتمييع المجتمع وضرب اساساته الأخلاقية، التي رسخها الجزائريون منذ قرون في شهر جعله الله تعالى للعبادة، الذكر والصلاة.
وهنا لا بد من اثارة نقطة مهمة هي جودة المضمون التلفزيوني لهذه القنوات ومن يقف وراء وضع تلك السيناريوهات او الأفكار «الإبداعية» للحصص. وحتى يكون الامر واضحا،  يجب ان يعلم هؤلاء ان استنساخ الحصص من القنوات الاجنبية لا يعني ابدا تطبيقها حرفيا كما هي هناك، لان المجتمع الذي وضعت من اجله ليس نفسه الذي أستُنسخت له، لا بد من وضع مشاهدة مريحة للعائلة الجزائرية بعيدا عن الحرج او الاضطرار لتغيير القناة هدفا أولا لأي انتاج تلفزيوني لان الأصل في اعداد البرامج التلفزيونية هي الفكرة التي ستجلب اكبر عدد من المشاهدين، وليس الفكرة التي تدعو المواطن الى تغيير جلدته، لذلك ستكون عملية سلخ الجلود لاستبدالها بأخرى دون فائدة و»الفاهم يفهم».

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19453

العدد 19453

الأربعاء 24 أفريل 2024
العدد 19452

العدد 19452

الإثنين 22 أفريل 2024
العدد 19451

العدد 19451

الإثنين 22 أفريل 2024
العدد 19450

العدد 19450

السبت 20 أفريل 2024