..انتصـف الشهر

فتيحة كلواز

انقضى نصف الشهر المبارك دون ان يتزاحم المصلون في المساجد لإقامة صلاة التراويح، ولم تعرف السهرات الرمضانية تلك «القعدات» التي غالبا ما كانت تزينها الاواني النحاسية والحلويات التقليدية التي يزيد عسلها حلاوة لتلك المجالس التي تنتهي بـ «البوقالات» اللعبة التي عبرت فيها المرأة عن آلامها واحزانها، امانيها واحلامها في «فال»مرهون بـ»عقدة» و»نية».
مضت 15 يوما كنا نظنها مستحيلة قبل حلول الشهر الفضيل لأننا لم نستوعب ان تكون له نفحات ربانية بعيدا عن المساجد والعمل الخيري التطوعي الذي يتضاعف فيه، كنا نظنها مستحيلة لغياب موائد الإفطار التي يتلهف على اقامتها شباب يبحثون عن توفير وجبة إفطار لعابري السبيل والأشخاص بدون مأوى في صورة إنسانية راقية تعمل عمل السحر في المجتمع.
مرت تلك الأيام تحت طائلة الحجر الصحي والتباعد الاجتماعي، فرغم التخفيف من الاجراءات منذ اول رمضان الا انها لم تستطع لملمة التبعات النفسية والاثار الاجتماعية لهذه المرحلة الاستثنائية التي تعيشها الجزائر على غرار باقي الدول الإسلامية. فلا معتمرون يكبرون ويهللون في طوافهم حول الكعبة الشريفة، ولا إفطار على تمر المدينة المنورة في المسجد النبوي ولا حلقات ذكر في الازهر الشريف و اعتكاف في مساجد الدول الإسلامية في العشر الاواخر من رمضان. كل ذلك جعل الصائم يعتقد ان الفيروس العالمي سلبه روحانيات الشهر واجر اعماله الصالحة.
حقيقة ان فضل صيام وقيام الشهر أمر محسوم في الكتاب والسنة النبوية،  لكنه لم يكن يوما مربوطا بمظاهر معينة او مكان بعينه، فمن أراد عبادة الله يستطيع ذلك بإقامة الصلاة في بيته مع عائلته حتى تزيد تلك الروابط الاسرية التي تشتتت وضعفت، فجاءت الفرصة لإعادة ترميمها وتقويتها من جديد، نقرأ القرآن ونقيم الليل بعيدا عن اعين المعجبين وأولئك الباحثين عن تسجيل الحضور في قائمة المواظبين على صلاة التراويح.
 علينا ان نستغل الحجر المنزلي في الشهر الكريم لنعيد حساباتنا في علاقتنا مع رب العالمين الذي انزل بلاءه علينا لحكمة لا يعلمها سواه، لكن الأكيد انها رحمة وان بدت عكس ذلك.
  اليوم نقف في منتصف شهر جعله الله تعالى فرصة لكل مسلم يجدد فيها عهده معه سبحانه، جعلتها إجراءات الحجر الصحي والتباعد الاجتماعي أكثر خصوصية وصدقا لان المرء ان قام للصلاة او امسك المصحف ورفع يديه للدعاء سيكون بعيدا عن رياء اصبح في السنوات الأخيرة السائد في كل عباداتنا، حتى صار الواحد منا لا يميز المرائي من غيره، لذلك كان لزاما علينا الاستفادة من درس «الوباء ورهان إنسانيتنا.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19432

العدد 19432

الأربعاء 27 مارس 2024
العدد 19431

العدد 19431

الثلاثاء 26 مارس 2024
العدد 19430

العدد 19430

الإثنين 25 مارس 2024
العدد 19429

العدد 19429

الأحد 24 مارس 2024