نقطة إلى السطر

الزهايمر...درس حياة

فتيحة كلواز

الزهايمر المرض اللغز الذي يفقد المريض حاضره ومستقبله ليغرقه في شريط ذكريات يستحضرها بين الحين والآخر لتكون حياته التي يتفاخر بها امام اهل يختزنون الدموع داخلهم حتى لا يزيدونه حزنا وألما...يجلس امامك في الشهر الفضيل ليعيش معك يومياتك الرمضانية بكل تفاصيلها لكنه طبعا لن يعلم الفرق بين صيام وإفطار اواكل اوامتناع عنه، يحاول في كل تصرفاته اظهار وعيه ومسئوليته لكن هيهات ان يكون لمن غُيب عقله ان يعي الحياة التي يعيشها.
يفطر في رمضان ويدعوك الى مشاركته الطعام لان الكرم الذي سكن داخله طوال حياته لا يستطيع ان يختفي من شخصيته المثقلة بذاكرة تجف مجاريها مع كل يوم يمر، ذاكرة تُبقي على الاحب الى القلب والأثقل عليه أيضا، فتراه يعيش ازدواجية غريبة لا تفهم معناها وان كنت الاعقل في معادلة التواصل الاجتماعي معه، لكنك مع مرور الوقت تتقبل كل ما يفعله بل سيكون سببا في بذل جهد أكبر حتى تمنحه بعضا من حياته السابقة التي كان فيها سيدا ذوشأن ومكانة اجتماعية مهمة في الوسط الذي يعيش فيه.
الزهايمر يحول مريضه في سنوات قليلة الى درس حياة عنوانه «انسان بلا معالم» فهوكائن فقد بوصلة الحياة الموجهة لسلوكياته فيأتيها عشوائية بل في بعض الأحيان مغايرة تماما لما كان عليه من قبل حتى يصل بمن يخالطه الى الوقوف عاجزا امام كل ما يفعله، فلا انت تستطيع تغييره ولا انت تستطيع تقبله، فترضى بأقل الأدوار نفعا بان تسير خلفة لتصحح ما يقوم به من أخطاء قد تكون وخيمة ان لم يتم تداركها.
 وبين ثنائية «التغيير والتقبل» يقع الكثير من مرضى الزهايمر تحت طائلة العنف وسوء المعاملة بسبب لا مسئولية الاهل الذين يبحثون في اغلب الأحيان عن الحلول السريعة التي تتلاءم واختيارات الزوجة التي ترفض التكفل بهذا المريض لأنها «غير ملزمة به ؟؟؟! «، ولعل تلك العجوز التي توفيت في مستودع مربوطة اليدين والرجلين وهي ام لأربعة أبناء فيهم الأستاذ الجامعي، المحامي والمهندس اصدق صورة عن معاناة تلك الفئة المغيبة قصرا في مجتمعنا، والأَمَّرْ ان تتم «لفلفة» التحقيق ليكون لصالح الأبناء الذين ادعوان والدتهم التي تعاني الزهايمر عنيفة لدرجة «الخطر».
 لووسعت الأرض آهاتي لصرخت بقية عمري على عزيز يضمحل أمامي في كل يوم دون ان استطيع فعل شيء، شعور العجز قاتل لأنك ضعيف جدا امام حكم القدر،...في بعض الأحيان أتمنى لومنحنا الله تعالى القدرة على إعطاء من نحب بعضا مما نملكه من صحة هدية وعرفانا لجميل صنع منا ما نحن عليه اليوم، لكن هكذا هي الحياة الأمهات تعطي حياتهن بكل تفاصيلها لأبنائهن الذين يبخلون دقيقة عليهن عند مرضهن فقط لان حياتهم لم تعد تتقاطع مع حياتهن رغم انها الأصل حتى وان انكروا وتنكروا لما قدمنه من تضحيات لأجلّهن.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19432

العدد 19432

الأربعاء 27 مارس 2024
العدد 19431

العدد 19431

الثلاثاء 26 مارس 2024
العدد 19430

العدد 19430

الإثنين 25 مارس 2024
العدد 19429

العدد 19429

الأحد 24 مارس 2024