جدد ممثلو منظمة "أوبك" وشركاؤها المجتمعون ببلادنا أمس الأول تمسكهم باتفاق خفض الإنتاج، المنبثق عن الاجتماع الذي احتضنته الجزائر قبل سنتين والذي بدأت نتائجه تظهر للعيان، حيث أنه وبعد التدهور المتسارع لأسعار الخام هاهي تتعافى تدريجيا.
أدركت الجزائر أن التنسيق والتضامن بين الدول المنتجة للنفط ليس في "أوبك" وحدها ولكن بمعية الشركاء من خارجها هو السبيل الوحيد للوصول إلى سعر يمكّن الدول المنتجة من الحفاظ على توازناتها المالية وإنقاذ اقتصادياتها، لذلك سارعت إلى تحريك دبلوماسيتها لتقريب وجهات النظر بين الفاعلين لبناء أرضية مستدامة تراعي مصالح الجميع ولا يتعلق الأمر بالدول المنتجة وحدها ولكن بالدول المستهلكةكذلك من خلال التوصل إلى سعر ينصف الجميع بعيدا عن الابتزاز والاحتكار مع الحفاظ في الوقت نفسه ـ وهذا الأهم ـ على دور المنظمة كفاعل دولي رئيسي في تحديد أسعار الخام من خلال تبني آليات للتنسيق والتشاور بين جميع الأعضاء مراعاة لمصلحة الجميع.
بهذا فقط يمكن للمنظمة التاريخية أن تبقى الإطار الأمثل لبعث وترسيخ ثقافة التضامن بين الدول الأعضاء كما كانت دائما، بل هي أحوج ما يكون إلى ذلك، سيّما مع ظهور المحروقات الصخرية التي أصبحت تزاحم الخام التقليدي في الأسواق ويكفي أن هناك مؤشرات عن تجاوز الإنتاج الأمريكي من البترول الصخري لروسيا والسعودية وهذا ما يفسر تقارب المواقف بين البلدين وانسجامهما داخل "أوبك" التي لم يبق أمامها وأمام شركائها إلا مواصلة التنسيق والتشاور لمواجهة التحديات التي تفرضها محروقات صخرية تعد بإغراق الجميع في حال تم الرفع من الإنتاج، لهذا لم تكن تغريدة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ـ عشية اجتماع "أوبك" بالجزائر ـ وتوعد فيها دول الشرق الأوسط في حال عدم زيادة الإنتاج، لم تكن تلك التغريدة بعيدة عن حسابات الإدارة الأمريكية التي تنتظر أول فرصة لاكتساح أسواق النفط، وترامب يعلم أن ذلك غير متاح إذا بقي البرميل في حدود 80 دولارا أمريكيا ولكن نتائج الاجتماع لم تأت بما اشتهاه ترامب.
أثبتت مخرجات اجتماع الجزائر مدى الوعي السائد داخل المنظمة وخارجها بوحدة المصير وضرورة مواصلة توطيد التنسيق والتضامن للحفاظ على أسعار تراعي مصلحة الجميع بعيدا عن الأنانيات والحسابات السياسية الظرفية، وبهذا تثبت الجزائر مرة أخرى أنها كانت وستبقى قاطرة من قاطرات هذا التضامن.
