طباعة هذه الصفحة

قبل فوات الأوان

فضيلة دفوس
02 أكتوير 2018

بينما أخذ صوت السّلاح يخفت في سوريا معلنا قرب انفراج الأزمة الدموية التي تعصف ببلاد الشام منذ سبعة أعوام، يشهد الوضع بالمقابل تصعيدا غير مسبوق في ليبيا، حيث وقفنا في الفترة الأخيرة على تطوّرات أمنية تحبس الأنفاس، وتثير المخاوف من أن تتحوّل أرض شيخ الشهداء عمر المختار إلى حلقة التوتّر المقبلة في سلسلة تدمير البلدان العربية والزجّ بها في حروب أهلية لا نهاية لها.
صيف ساخن بالفعل عاشته ليبيا، حيث كسّر صخب السلاح هدوء العاصمة طرابلس التي شهدت مواجهات دموية بين مجموعات مسلّحة خارجة عن السّيطرة، ولأول مرّة منذ أن تفجّرت الأزمة الليبية، تدفّق الدّم هناك بغزارة، وسقط العشرات بين قتيل وجريح، وسكن الخوف والرّعب الأفئدة خشية أن تكون هذه الصدامات الدّموية بداية لحرب أهلية كالتي تكتوي بنيرانها سوريا الجريحة، والخوف هذا مشروع، فالاحتراب الداخلي غالبا ما يبدأ هكذا، مواجهات محدودة تمتدّ رقعتها الجغرافية وتتوسّع أطرافها، لتغذيها جهات خارجية بما يزيد من استعارها حتى تحرق الليبيين والأرض الليبية.
الانفلات الأمني لم يكن وجع ليبيا الوحيد في الصائفة الماضية، حيث صاحبته تصريحات نارية واستفزازية تداولتها أطراف الأزمة والشخصيات المحرّكة لمفاتيحها في الشرق والغرب، الكلّ يحمّل الآخر مسؤولية التصعيد ويتهمه بالفشل في إنجاح العملية  السياسية وعرقلة خروج البلاد من النفق المظلم إلى برّ الأمان.
وفي ظلّ هذه الأجواء القاتمة، يتجلّى بوضوح أن ما تعيشه ليبيا من فوضى وتجاذبات يعود في كثيره إلى التدخلات الخارجية التي تؤلّب هذا الطرف على ذاك، وتؤجّج الخلافات والاختلافات، وتغذي أطماع كلّ طرف في بلوغ سدّة الحكم والانفراد به، ولا يمكن لغربال أن يغطّي شمس الحقيقة، حيث يظهر جليّا بأن ما عاشته ليبيا قبل شهر، وما قد تعيشه لاحقا، هو ارهاصات فعلية لصراع المصالح الذي تخوضه جهات خارجية، ونخصّ بالذكر إيطاليا وفرنسا، فكلتاهما تسعيان لأن تكون صاحبة النفوذ هناك، ومن يستأثر بأكبر حصّة من الكعكة الاقتصادية بعد أن تنقشع غيوم الفوضى ويستتب الأمن.
الوضع في الشقيقة ليبيا اليوم للأسف الشديد لا يبعث على التفاؤل بالمرّة، وفي الغالب الاستحقاقات التي حدّد موعدها بنهاية السنة،ستتأجّل إلى تاريخ غير معلوم، ما  قد يجرّ البلاد إلى مزيد من الغموض والترّقب،وربّما الانزلاق في متاهة العنف والفوضى.
ولا يمكن التخلّص من هذا المآل الرهيب،إلا بوقوف الليبيين وقفة رجل واحد ضدّ من يعبث بأمن ووحدة البلاد، ويقطع الأذرع الخارجية التي تدمّر العملية السياسية.
الليبيون اليوم في مفترق الطرق،إما يختارون سبيل النجاة ومعالمه واضحة وهي التفاهم على حلّ سياسي يُخرج السفينة الليبية من هذا البحر الهائج إلى برّ الأمان، وإما يمضون إلى الهاوية.
نتمنّى أن يتمعّن أشقاؤنا جيّدا في المشهد السوري حتى يسّهل عليهم الاختبار.