ماتزال «الروايات» المتعلقة بالأحداث الأليمة لـ ٥ أكتوبر محل جدل سياسي إلى غاية يومنا هذا، لا تخلو من الأوصاف التخمينية، تارة لا يقال عنها أنها مفبركة» وتارة أخرى «مخططة» من أجل الذهاب إلى خيار الإصلاحات التي لم تجد منفذا خلال الحزب الواحد، وبالرغم من المقاومة الشرسة بداخل هذا «الجهاز» لتبنيها إلا أن كل الأبواب كانت موصدة في وجه الإصلاحيين.
وهكذا لم يجد هؤلاء سوى «الشارع» لنقل إنشغالاتهم وهذا باستغلال الغليان الذي كان سائدا نتيجة إنهيار سعر البترول إلى ما بين ٧ و ٨ دولارات، ما أدى إلى متاعب اقتصادية وإجتماعية وجد فيها كل من كان يتحين الفرصة «الحجة» في النزول إلى الطرقات الرئيسية للتعبير عما كان يختلج في صدره.
وهنا حاول البعض وخاصة رموز التيار الديني إسترجاع أو الإستحواذ على هذه الحركة من خلال تأطيرها وفق توجه ايديولوجي معين، وهذا بالتصعيد في وتيرة الإحتجاج، ولوحظ هذا عن طريق الأخبار المتداولة المطالبة من الكتل البشرية بالذهاب إلى باب الواد، وبلكور «بلوزداد» حاليا للتجمع والإستماع:
وكان وضعا صعبا ومعقدا إلى درجة لا تطاق الكل ينتظر ساعة الحسم، ونعني كذلك الإعلان عن إجراءات استعجالية وفورية لإحتواء الوضع وعدم ترك تداعياته تزداد إنزلاقا إلى ما لا يحمد عقباه، كون ضغط الشارع في تصاعد حفاظا على الأملاك والبشر بعدما تم تخريب هياكل ذات طابع عمومي.
ولم يجد صاحب القرار آنذاك سوى الإعلام الرسمي عن حزمة من الإصلاحات السياسية والإقتصادية لإمتصاص غضب المحتجين وهذا بتعديل الدستور وإرساء الديمقراطية وإقامة التعددية، والإنفتاح في التسيير وإزالة الإحتكارات، هذه المحاور المذكورة تفرعت عنها فيما بعد مسائل أكثر تمددا في أبعادها كي تمارس عمليا لدى كل من بقي ينتظر لدخول هذا المعترك.
وهكذا تم تقنين هذا المسعى المعلن عنه، من خلال إصدار ترسانة من النصوص التشريعية، خاصة في مجال التعددية لضمان حد أدنى من الممارسة، أي الشروع في تشكيل إو إنشاء الأحزاب يتبعها تأسيس منابر إعلامية، ولم يكن أبدا هناك موافقة على منح الإعتماد للحساسيات ذات الطابع الد يني، لكن مع بروز «الأرسيدي» وغيره أراد البعض إستحداث تلك التوازنات في المشهد السياسي.
بقدر ما يهلل البعض لهذه «القرارات» الظرفية، فإن الديمقراطية والتعددية ولدتا العنف طيلة تلك الفترات بشكل أقلقت الكثير من الجزائريين، ووقف الجميع عما حدث خلال التسعينات من محاولة الإطاحة بالدولة الوطنية والجمهورية، كلفت هذا البلد خسائر لا تعد ولا تحصى ماديا وبشريا.
وعليه فإن كل ماجاء فيما بعد، أي منذ ١٩٩٩، وإلى غاية يومنا من قرارات تاريخية كان الهدف منها تصحيح تلك المسارات السياسية والإقتصادية بهدوء تام ووفق رؤية واضحة، تقضي على كل الإختلالات.
والنظرة الواقعية في هذا العمل يتوجه إلى إعطاء الأولوية للتنمية الشاملة لإستدراك كل تلك التأخرات، وهذا ما نسجله اليوم عندما تحولت الجزائر إلى ورشة مفتوحة.