طباعة هذه الصفحة

كلمة العدد

رحل العام وبقيت أوجاعه

فضيلة دفوس
25 ديسمبر 2018

بسرعة البرق مرّت سنة 2018 وكأنّها اختزلت شهورها في بعضة أيّام فقط،حتى أصبحنا بالكاد نستطيع اللّحاق والإحاطة بأحداثها المتزاحمة، التي ظلّت تصنع وضعا قاتما وكئيبا على وجه المعمورة قاطبة، إذ بقيت الأزمات المتفجّرة في الوطن العربي تراوح مكانها، والقضايا المطروحة تبحث عن حلول شافية دون جدوى، ولم تعد العلاقات الدولية واضحة المعالم كسابق عهدها بعد أن كسّرت معاول «الترامبية» أسسها، وزجّت بالعالم في حالة من الفوضى لم تسلم منها حتى أقوى الدول وأقدر الزّعامات.
 رغم أنّ السّنة المودّعة كانت حبلى بالمبادرات الرّامية إلى تسوية ما ترتّب عن «الرّبيع الدموي» من أزمات وحروب مدمّرة، فإنّ الأمن ظلّ الرّقم الغائب في معادلة عودة الاستقرار الى اليمن وليبيا، وتجلّى واضحا بأنّ عملية إشعال الحروب أسهل بكثير من إطفاء نيرانها التي تحرق جزءاً كبيرا من الوطن العربي.
ومثل الأعوام 70 الماضية، لم تمر 2018 بردا وسلاما على القضية الفلسطينية، التي وجدت نفسها هذه المرّة بين سندان الرّصاص الإسرائيلي وهو يواجه مسيرات العودة، ومطرقة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي يسعى جاهدا للإجهاز على كلّ أمل في إقامة الدّولة الفلسطينية، خاصة بعد أن صدم العالم أجمع في ماي الماضي بنقل السّفارة الأمريكية إلى القدس المحتلّة، ثم أصدر أوامره بمنع الأموال عن «الأونروا»، وهو يحضّر للكشف عن «صفقة القرن» التي يخشى أن تكون الضّربة القاصمة للقضية الفلسطينية التي تعاني أيضا من خلافات أبنائها، الذين نراهم يزدادون فرقة وانقساما، في الوقت الذي كان عليهم أن يعيدوا رصّ صفوفهم وتعزيز قوّتهم حتى يتمكّنوا من مواجهة السّنوات العجاف القادمة.
وفي ظل ّاللّيل الحالك الذي أرخى سدوله على بلاد العرب،  بزغ ضوء أمل من سوريا التي نراها تكتب آخر فصول أزمتها الدّموية، وتتطلّع الى إعادة بناء ما دمّره المتكالبون عليها منذ أزيد من سبع سنوات.
كما حقّقت القضية الصّحراوية بعض المكاسب، لعلّ أهمّها  استئناف عملية السّلام من خلال المائدة المستديرة التي احتضنتها جنيف السويسرية بداية ديسمبر، والتي وضعت القضية على مسار الحلّ الصحيح، لكن هذا الإنجاز بحاجة الى صرامة أكبر من الأمم المتحدة لإرغام الاحتلال المغربي على تنفيذ قراراتها الصادرة قبل عقود، والتي توصي بتنظيم استفتاء تقرير المصير ليحدّد من خلاله الصّحراويّون مستقبلهم بكلّ حرية.
 في الواقع تضيق وقفتنا هذه عن احتواء كلّ الأحداث التي شهدها العالم في السنة التي نعيش أيامها الأخيرة، لكن يبقى المميّز فيها تلك القرارات التي أصدرها الرئيس الأمريكي  بعنجهية وصدم بها الجميع، في مؤشّر يعكس بوضوح أن أمريكا الترامبية ماضية في وضع أسس جديدة للعلاقات الدولية ستكون بمثابة الزّلزال السياسي الذي لن يسلم من هزّاته أحد.