بنظرة موضوعية ودقيقة يمكن القول أن المشكلة التي يعاني منها الاقتصاد الوطني في الوقت الحالي، تكمن في غياب هيئات أو قوى مضادة على مستوى مختلف مستويات اتخاذ القرار المالي والاقتصادي، في ظل وجود طابع إنفرادي وهذا يفضي إلى حتمية وجود نسبة من الخطأ وحيز من المخاطرة تارة وتارة أخرى إمكانية الوقوع بين مخالب الفساد.
لاشك أن خصوصية المرحلة الراهنة جعلتها تتعدى مرحلة التشخيص التقليدية، لأن الضرورة تستوجب الذهاب وبسرعة قياسية نحو تبني حلول جريئة أي توسيع نطاق الشفافية من خلال رفع سقف فعالية الأداء والدفع بالكفاءات إلى الواجهة بالإضافة إلى مراجعة بعض الأحكام القانونية والتنظيمية، مع إعادة النظر في القرض السندي «التوثيقي»، الذي اعتمد خلال السنوات الماضية، وتأكد على أرض الواقع وبالنظر إلى النتائج أنه يعد أحد أسباب وطرق استنزاف الموارد المالية، على خلفية أن العملة الصعبة تحول للخارج لفائدة الممون قبل وصول السلع إلى الجزائر، ولعل هذا ما فتح الباب لبروز تلاعبات، من أهمها نذكر تضخيم الفواتير والغش في النوعية وعدم احترام الآجال والأخطر من كل ذلك ضعف ضمانات مرحلة ما بعد البيع.
لا يمكن البقاء مكتوفي الأيدي أو الاستمرار في العمل بذات الوتيرة وعدم السير نحو تحديث وتفعيل الأدوات كون حل المشكلة اليوم يتطلب بالدرجة الأولى تحرير الإدارة الاستثمارية وكسر نمط التكتلات الضيقة التي تغذي المصالح الشخصية، وتقضي على الروح التنافسية وتشوه مناخ الأعمال، والحديث عن تقوية وتوسيع الاستثمار يستدعي إثارة تحديات جمة ورهانات عديدة تواجهها المنظومة المصرفية التي تتحمل أكبر مسؤولية خاصة في هذا المنعرج الحساس، ولأن المنظومة المالية مطالبة أكثر من أي وقت مضى بتكريس سقف عال من الشفافية، حيث لا يمكن أن يبقى خزائن البنوك والمؤسسات المالية تنفق بطريقة يستحيل فيها تتبع آثارها، وبالتالي استرجاع ما تم إقراضه بطريقة فعالة.
ولا يمكن أن ينتعش الاقتصاد بشكل تصبح فيه التنمية الاقتصادية سليمة وسلسلة وتستحدث القيمة المضافة التي ترفع من القدرة الشرائية، بعيدا عن مضاعفة جهود مكافحة الفساد في كافة جوانبه وأشكاله، ومكافحة الفساد تكون بحلول وقرارات جريئة وباحترافية عالية حيث حان الوقت حتى يتابع القاضي الأسواق والاستثمار ويتكون للإلمام بالجوانب التقنية، وفوق ذلك يجتهد بنزاهة حتى يكون في المستوى وتكون أحكامه منصفة.
