إن الفساد الذي استشرى في الجزائر على مدار العشرين سنة الماضية، يستدعي تحركا سريعا لمعاقبة المتورطين في نهب المال العام و تحطيم الاقتصاد الوطني وكذا مسائلة من تلاحقهم تهمة التآمر على الدولة ومؤسساتها و في هذا الصدد يجب احترام قرينة البراءة في انتظار النطق بالحكم، لأن انتشار ظاهرة الفساد المالي، الاقتصادي والسياسي بهذا الشكل وبحكم الترابط العضوي بين هذه الأذرع الثلاثة للفساد، يوحي أن قائمة من ستستدعيهم العدالة ستكون طويلة وهي الفرضية التي تأكدت أكثر بعد تصريح الفريق أحمد قايد صالح حين قال إن لدى قيادة الجيش ملفات فساد ثقيلة اطلع عليها شخصيا ستحول إلى العدالة للبت فيها؟
لقد استبشر الجزائريون خيرا بالحملة على الفساد والمفسدين حيث خلّفت ارتياحا و أثرا معنويا طيبا، فمن جهة رأى الجزائري أن حراكه لم يذهب سدى، فالذين كانوا يقررون أحوال الطقس في الجزائر بالأمس القريب، يقبعون اليوم خلف القضبان في انتظار محاكمتهم، في الأثناء هناك الكثير من المتورطين معهم أو المرتبطين بهم "شادين كروشهم" – على تعبير المثل الشعبي- في انتظار الاستدعاء؟ غير أن هذه الحرب التي أطلقتها العدالة على الفساد فتحت عليها بالمقابل حروبا على عدة جبهات و من عدة أطراف تقمّصوا دور المحامي وأخذوا يستشهدون بنصوص القانون ومدونات حقوق الإنسان بل حتى بمواد بالدستور الذي لا يؤمنون به؟ فكل شيء مباح من أجل حماية أنفسهم و مصالحهم بينما يمثلون دور البطولة في الدفاع عن الموقوفين، "الكلب ينبح عشرة، تسعة عليه أو واحدة على مولاه" ولكن لم نسمع لهؤلاء كلمة واحدة في حق متهمين آخرين ورغم ذلك يتهمون العدالة بأنها مسيّسة، انتقامية وانتقائية بينما تزكم رائحة السياسة المنبعثة من مواقفهم الأنوف؟.
إن الذين يطالبون بتأجيل المحاكمات إلى ما بعد المرحلة الانتقالية بحجة تحرير العدالة وغيرها، يعلمون جيدا أنها المرحلة المثلى لازدهار الممحاة لإخفاء الملفات وطمس الأدلة وهذا لا يعني أن عدالتنا أصبحت بين عشية وضحاها منزهة من العيوب والشوائب، فتراكمات سنوات لا يمكن التخلص منها بين عشية و ضحاها ولكن أن نوظّف هذه الورقة سياسيا لضرب أي خطوة تقدم عليها العدالة فهذا يرفضه الشعب الجزائري وما حصل لأحد قياديي حزب العمال يوم الجمعة الماضي يؤكد أن الشعب الجزائري يدرك أن حربه ضد الفساد وليس على العدالة؟.