طباعة هذه الصفحة

كلمة العدد

الفساد.. منظومة تخريبية مكلفة

فضيلة دفوس
14 ماي 2019

من المهمّ والجزائر ماضية في تطهير جنباتها من قذارة الفساد ووسخ زبانيته، أن نلفت الانتباه، إلى أن هذه الآفة التي قرّرت بلادنا محاربتها بقوة القانون وعصا العدالة، هي للأسف الشديد ظاهرة عالمية تنتشر كالسرطان الخبيث في العديد من البلدان، بل لقد باتت في وقتنا الحالي تمثّل أكبر المشكلات التي تنخر اقتصاديات الدول، وترهن مسار التقدّم والتنمية بها، ما ينعكس بالسّوء على المجتمع، حيث تتراجع الاستثمارات العامة في البنى التحتية والرّعاية الصحية والتعليم، وتتهاوى الظروف المعيشية، وهذا يقود إلى اندثار الثقة في الأنظمة الحاكمة، ويرفع منسوب الاحتقان الذي كثيرا ما ينتهي إلى الانفجار.
الفساد، كتلة من الآثار المدمّرة التي تطال مقومات الحياة، وتهدر الأموال والثروات والطاقات، وهو منظومة تخريبية مكلفة، وحسب المؤسسات المالية العالمية، فإن الفساد في القطاع العام يمتصّ سنويا في حدود 2 تريليون دولار، وهو رقم خيالي يتمّ الاستيلاء عليه بطرق شتى، كالرّشاوى والتهّرب الضريبي، ما يرهن ميزانيات الدول، ويفرغ خزائنها، لتلجأ في النهاية صاغرة إلى القروض، وتلفّ بذلك حبل المديونية حول عنقها. وإذا كان البعض يرجع سبب ارتفاع مؤشّر الفساد إلى غياب سلطة الرقابة من الهيئات المختصة وعلى رأسها القانونية، وعدم تكريس مفهوم المواطنة والشفافية، وتآكل المعايير الأخلاقية، فمن الضروري التأكيد كما أشرنا في البداية، إلى أن ظاهرة الفساد أصبحت وجع العالم كله، إذ لم تعد دولة بمنأى عنها حتى وإن كانت بدرجات مختلفة، ووسائل الإعلام تصدمنا كل يوم بخبر إقالة هذا المسؤول وسجن ذاك الرئيس بتهمة اختلاس الأموال وتبديدها، ونهاية الأسبوع الماضي فقط، زجّ بالرئيس البرازيلي السابق ميشال تامر السجن بتهمة الفساد، ليلتحق بلولا دا سيلفا الذي سبقه إلى زنزانته بنفس التهمة، وقبلهما كان الدور على رئيسة وزراء كوريا الجنوبية بارك غون هاي التي حُكم عليها بـ 24 سنة سجنا بعد اتهامها وصديقتها بابتزاز مؤسسات اقتصادية ونهبها، والحدث صنعه قبل أيام رئيس بيرو السابق آلان غارسيا الذي أطلق الرصاص على رأسه وانتحر قبل أن تحتجزه الشرطة بتهمة الفساد أيضا.
الفساد آفة ترهق اقتصاديات الدول وتكلّفها خسائر بملايير الدولارات، ومكافحته والقضاء عليه، تتطلّب أولا رفع الوعي بضرورة انخراط كل أفراد المجتمع في هذه المهمة، كما أن مجابهة هذه الظاهرة المقيتة يجب أن يكون على أساس العقاب والوقاية، حيث يجب تغليظ العقاب على المخالفين والتشهير بهم لردع كل من تسوّل له نفسه استباحة المال العام.
ومن المهم جدا إدراك أن التصدي للفساد يتطلّب الكثير من  الشفافية، وربط المسؤولية بالمحاسبة وقبل ذلك وبعده، إطارا قانونيا واضحا، أي تفعيل التشريعات إن كانت موجودة واستحداثها إن كانت غائبة.
وبالموازاة، من الضروري التركيز على الوقاية التي تكون بالتحسيس وباستعادة القيم الأخلاقية حتى يتمّ القضاء على ثقافة الفساد التي استفحلت كالنار في الهشيم.