طباعة هذه الصفحة

كلمة العدد

تعطيل مصالح النّاس

جمال أوكيلي
30 سبتمبر 2019

في العدد الأول من «محليّات الشّعب» نتناول زاوية حسّاسة جدّا وآنية جديرة بالمتابعة الميدانية من قبل السّلطات العمومية، تتعلق بإقدام المواطنين على إغلاق البلديات والاحتجاج والاعتصام أمام أبوابها، لماذا يا ترى هذا السّلوك غير الحضاري، الذي يعطّل مصالح النّاس؟ هل هو صادر عن غياب الحوار أو التخلي عن الوعود الانتخابية للمجالس الشّعبية المحليّة الأخيرة؟
إنّها الأسئلة الملحّة التي لا ننتهي من طرحها نظرا لاتّساع الظّاهرة، وتحوّلها إلى «عادة» لدى البعض في تأخير سريان شؤون النّواة الأولى في هرم النّظام المؤسّساتي الجزائري، لا تكلّفهم متاعب إضافية سوى دعوة مجموعة من الأشخاص لإنجاز هذه «المهمّة» غير القانونية والمرفوضة من العامة كونها تلحق أضرارا بالفعل المحلي.
والتّشخيص الحالي معروف لدى الجميع، ونقصد ما يقع هنا وهناك في الجزائر العميقة من خلافات حادّة بين المواطن ومنتخبيه، بخصوص قضايا تنموية ذات الطّابع الخدماتي والجواري لم ترتق إلى مستوى تطلّعات من وضعوا فيهم الثّقة لمدة خمس سنوات.
وللاجابة عن الأسئلة المثارة آنفا، لابد من الاشارة إلى أنّ هناك عجزا فادحا في التواصل بين المواطنين ومسؤولي البلديات بسبب غياب الاطار الذي يتفاعل فيه هؤلاء، من خلال الاستماع إلى انشغالاتهم على مستوى ما يعرف بالمداولات، وهو ما كان مطروحا باسم الديمقراطية التّشاركية، أي توفير مقاعد لفعاليات المجتمع المدني ومنحهم الفرصة المواتية لإبداء آرائهم تجاه  ما يجري إقراره من مشاريع مختلفة.
هذه الصّيغة التّشاورية لا توجد، والكثير من رؤساء البلديات يرفضونها جملة وتفصيلا، ويتفادون الحديث عنها وهذا ما وقع لفكرة «كوفيل» (لجنة المدينة)، التي كانت إطارا جامعا للجان الأحياء والجمعيات، لكنها اختفت فجأة بالرغم من أن النص التشريعي المتعلق بـ«الديمقراطية التشاركية» جاهز على مستوى الجهاز التنفيذي، نفس الشيء بالنسبة لقانون الجمعيات هذا الفراغ هو الذي سمح لـ «الأميار» بإبعاد وطرد كل من يريد تقديم إضافة.
وتبعا لذلك، فإن الكثير من رؤساء البلديات - للأسف - تخلّوا عن وعودهم التي التزموا بها خلال حملاتهم الانتخابية في الاستحقاق الأخير، بمجرد أن وطئت أقدامهم مكاتبهم نسوا وتنكّروا لكل شيء سواء للتّعهدات أو للأشخاص.
هذا التّباعد هو الذي أدّى إلى حدوث هذا الشّرخ في التّواصل، وانتهى بفقدان الثّقة لا يستجيب طرف للآخر أو قل الانسداد، رئيس البلدية يقول إنّه لا يملك الامكانات لتطبيق برامجه، زيادة على وجود صلاحياته عند جهات أخرى لا يتحكّم في أي شيء، وفي هذه الحالة لا يستطيع تلبية أي طلب يأتيه من القاعدة.
المواطن لا يفهم هذه التّفاصيل، بالنسبة له أنّ البلدية مسؤولة عن الاقليم الذي يقطن فيه، وعليها أن تتكفّل بمطالبه مهما كان الأمر، رافضا أي تبرير يصدر عن المنتخبين وأمام تصادم الارادتين تحل الخيارات الراديكالية محل الصّيغ المرنة، وهذا ما نقف عليه اليوم في العديد من بلدياتنا.