طباعة هذه الصفحة

كلمة العدد

حيوية السّوق وأفضلية المنتوج المحلي

سعيد بن عياد
19 أكتوير 2019

في بلدان تواجه تحديات النمو في ظل ندرة الموارد وارتفاع سقف التّطلّعات، لا تحتمل المعادلة الاقتصادية فيها البقاء رهينة مصالح قوى سياسية لا تعير أهمية لمستقبل الأجيال، ولا تدرك مخاطر استمرار انسداد الوضع الراهن الذي يتطلّب التّعجيل في تجاوزه عن طريق حلول متبصّرة تفضي إلى بدائل تنسجم مع الواقع، وتضمن إعادة تنشيط عجلة التّنمية بكافة مكوّناتها التي تشكّل دواليب المنظومة الاقتصادية. لذلك المؤشّرات المختلفة تستدعي من الشّركاء التزام الحيطة لما تحمله تداعياتها من مخاطر سوف لن يمكن مواجهتها مستقبلا إذا تواصلت حالة التّباطؤ والرّكود وغياب المبادرة، التي تحتاج حقيقة إلى مناخ جذّاب يتميّز بالهدوء، حتى تتّضح الرؤى للمستثمر وتتجلّى الآفاق للمؤسّسات الإنتاجية، والأكثر أهمية تستعيد الثّقة مركزها لدى المتعاملين المهتمّين بالسّوق الجزائرية.
بالفعل لا تزال السّوق الجزائرية توفّر فرصا استثمارية ذات جدوى ومضمونة الرّبح بالرغم من انعكاسات الظّرف الحالي الذي يجري العمل على إصلاحه من خلال رد الاعتبار لقيمة العمل وإزالة بقايا البيروقراطية، بالموازاة مع إطلاق مسار مكافحة الفساد، الذي ألحق بالاقتصاد والبلاد برمّتها أضرارا مالية بالخصوص، سوف يسمح استرجاعها بتعويض العجز المسجّل في حسابات الميزانية. ومن بين القطاعات التي لا ينبغي أن تتأخّر عن موعد الوثبة الاقتصادية وتفادي التأثر بالمحيط الراهن، بحيث تأخذ المبادرة من خلال مشاريع تخلق الثّروة وتوفّر مناصب العمل سواء باستثمارات محلية أو بالشّراكة الأجنبية، تتصدّرها السياحة، الفلاحة، الصّناعة التحويلية، الخدمات، البناء والطّاقة خاصة المتجدّدة منها.
إنّ مستقبل وديمومة المؤسّسة الجزائرية بغض النّظر عن طابعها القانوني عمومية كانت أو خاصة، يرتبط بمدى قناعة القائمين عليها بضرورة الحرص على مواكبة التّحولات والاستجابة لمعايير التنافسية، وبالتالي درجة تعاملها مع الجامعات ومراكز البحث الجديرة بالثّقة، انطلاقا من هدف واحد هو التّخلص من تلك الصّورة النّمطية للمتعامل الذي يعيش على الريع، والمرافقة المبالغ فيها ويقتات من التمويل العمومي.
حقيقة ينتظر من البنوك أن تقدّم الإضافة المطلوبة لتنشيط تمويل المشاريع الاستثمارية التي تتوفر على الشروط القانونية ولها قابلية للانجاز، لكن ينبغي بالمقابل أن تضاعف من درجة اليقظة والاحتياط بالرفع من مستوى التعامل مع طلبات التمويل، بحيث يجب أن تضاعف من قدرات التحليل والتقييم للمشاريع المعنية بالقروض، بما يقلّل من هامش الخطأ ويقطع دابر المسالك المؤدية للفساد.
لا يمكن لبلد ناشئ مثل الجزائر، حتى في وقت تقلّصت فيه مساحة المناورة بفعل انكماش احتياطي العملة الصّعبة، تراجع مؤشرات الأداء، عودة هاجس التضخم وتعطّل عجلة الاستثمار، أن يقبل بالأمر الواقع، بينما توجد أوراق قوية، وهي محدودة حاليا، لا تزال صالحة لإعطاء الدفع اللاّزم لعجلة النمو، وأبرزها الاستقرار، مكافحة الفساد، تحسين مناخ الأعمال، الرّقمنة، الموارد البشرية المؤهّلة والأكثر جذبا، حيوية السّوق وأفضلية المنتوج المحلي.