طباعة هذه الصفحة

تحذيرات الصّحراويّين: لا تتآمـروا علينـا

جمال أوكيلي
23 أكتوير 2019

منذ استقالة أو بالأحرى مغادرة المبعوث الأممي للصّحراء الغربية السيد هورست كوهلر منصبه مكرها دون سابق إنذار، وتحت الضّغط الرّهيب لأطراف تحرّك خيوط الملف عن بعد، يهيمن الصّمت المطبّق والمخيف في آن واحد على القضية الصّحراوية، إلى درجة محاولة طمسها وإجهاضها، وحتى إحالتها على غياهب النّسيان، وإلاّ كيف يفسّر هذا التّعتيم السياسي والحصار الإعلامي الحالي؟
ففي الوقت الذي كان فيه الكبار وأتباعهم يخوضون في لعبة إعادة صياغة العلاقات الدولية دون أن يشعر به البعض، سعت القيادة الصّحراوية طيلة هذه الفترة إلى إخطار أعضاء مجلس الأمن بما يتعرّضون له من مضايقات غير مسبوقة، ومناورات جهنّمية قصد عزل هؤلاء وإبعادهم  عن التّأثير في القرارات المتعلّقة بمصيرهم.
وقد جاءت الرّسالة الجامعة المانعة للرّئيس الصّحراوي إبراهيم غالي، المؤرّخة في 13 سبتمبر 2019، حاملة لمؤشّرات رفض تلك الأعمال المنافية للشّرعية الدولية أدرجها ضمن سياقها مصطلحات قاسية تجاه ما يحاك من مؤامرة مفضوحة، ما من يوم يمر إلاّ وتنكشف خيوطها للرأي العام، ولكل القوى المحبّة للأمن والسّلام والتوّاقة إلى الحرية والانعتاق من براثن الاستعمار الجديد، مستعملا الأسلوب المباشر الذي لا غبار عليه، يفهمه أولئك الذي أوصلوا هذه القضية العادلة إلى هذا الانسداد المتعمّد لإغلاق الأفق، وإعطاء الانطباع الوهمي الذي يراود هؤلاء في كل مناسبة تتاح لهم.
والرّسائل السياسية الصّادرة عن غالي ذات دلالات قويّة جدّا في أبعادها المستقبلية، وفي هذا الإطار اختصر المسافة في مخاطبة الآخر عبر كلام صريح، يترجم حقّا ما يتعرّض له الصّحراويّون من محاولات إلحاق الضّرر المعنوي بهم، وهذا ما سجّلناه خلال الفترات السّابقة من نسج لمؤامرات وبناء سيناريوهات في المحافل الدولية ضد الانتصارات الباهرة للدبلوماسية الصّحراوية، وصلت أحيانا إلى محاولات الاعتداء جسديا على الوفد الممثّل للجمهورية الصّحراوية.
ولا نستغرب أبدا من هذه المعاينة الصّريحة عندما يشخّص الرّئيس الصّحراوي الواقع السياسي الرّاهن، منها «لم يتم فعل الكثير»، «شل العملية السياسية»، «مربّع بقاء الأمور على حالها»، «عدم المرونة»، «نسف إمكانية بناء الثّقة»، «وعود لم يتم الوفاء بها»، «الأمل قد خاب»، «الشّعور بالإحباط»، «نحتفظ بحقّنا المشروع في الرد».
ما جاء على لسان غالي في رسالته، صرخة من أعماق مناضل ثوري، وعسكري ميداني قاوم الغزو المغربي منذ «المسيرة السّوداء» في ١٩٧٥، والتي تمّ على إثرها احتلال هذا الإقليم وتشريد شعبه، إلى غاية يومنا هذا لم نتعوّد فيما سبق على خطاب صحراوي على هذه الصّيغة في التّواصل مع الآخر، لكن هذه المرّة «بلغ السّيل الزبى» سقفا غير مقبول، وعليه فإنّ حساسية المرحلة لا تتطلّب التّقيّد بالتزامات وقف إطلاق النّار، وما تبع ذلك من وثائق موقّعة تكبّل الصّحراويّين، وتمنعهم من كل مبادرة أخرى في الأفق.
ولا يعتقد المغرب بأنّ حكمة الصّحراويّين تعد ضعفا، وقد يخطئ إن توهّم بأنه يصول ويجول وحده في أروقة الأمم المتحدة بعد الإطاحة بكوهلر، ونسف خطّته الدّاعية إلى تقرير مصير الشّعب الصّحراوي، اغتالها هؤلاء في المهد عندما تواردت إلى مسامعهم معلومات تفيد بأن بشارة خير للصّحراويّين. من هنا ثارت ثائرتهم، وسعوا بكل ما يحوزون من أساليب الضّغط لإبعاد هذا الرجل، وهكذا انسحب كوهلر في هدوء تام، والجميع ينتظر بفارغ الصّبر تعيين مبعوث أممي آخر لاستكمال المهمّة المنوطة به، ويخرج الملف من الأدراج، وهذا بإضفاء عليه طابع الشّرعية الدولية بدلا من تركه عرضة لممارسات فرنسا.