طباعة هذه الصفحة

الشراكة التي نريدها

فنيدس بن بلة
25 أكتوير 2019

حدد رئيس الدولة عبد القادر بن صالح، من قمة سوتشي، موقف الجزائر من الشراكة التي تتطلع إلى إقامتها  روسيا وأفريقيا وفق أسس ومعطيات جديدة، تأخذ في الاعتبار نظرة المجموعتين القريبة والبعيدة في عالم مضطرب يعيش أزمة واهتزازا بفعل طغيان القطب الأحادي الجانب وما أحدثه من خلل في توازنات العلاقات الدولية.
أعطى رئيس الدولة قراءة للأحداث المتسارعة في عالم القرية الشفاف المثقل بتصارع القوى الكبرى الغربية وتماديها في إعادة تقسيم المناطق حسب النفوذ والمصالح. وهو وضع تراهن الشراكة الروسية الأفريقية أن تكون الطرف الفاعل في إصلاح اختلالاته وتقويمه دون تركه أسير قوى نقيضة تعمل المستحيل من أجل فرض هذا الواقع والحفاظ عليه إلى أبعد الحدود.
تصب مقترحات الجزائر في استثمار الأسس التي بنيت عليها العلاقات الروسية الأفريقية الممتدة في أعماق التاريخ، وتحكمها قواسم مشتركة ممثلة في محاربة الظاهرة الاستعمارية القديمة والجديدة، ورفض البقاء أسيرة الأنظمة التي اعتمدتها المجموعة الغربية للإبقاء على سيطرتها وتحكمها في مصير البشرية دون القبول بتقاسم الوظيفة والقرار.
عكس هذا التوجه، لا بد من مقاربة أخرى تعطى للشراكة الثنائية قيمة ومنطلقا جديد ما انفكت الدول الإفريقية ترافع من أجله عبر القنوات والمنابر، مؤكدة على دور الاتحاد الإفريقي في هذا الشأن وسعيه الدؤوب من أجل أفريقيا الواحدة الموحدة التي تلتقي دولها مهما تعددت مشاربها وألوانها، حول مشروع نهضوي واحد ولا تقبل  بالمرة بسياسة المحاور التي تضرب على وترها القوى الخارجية المناوئة خدمة لمصالحها ونواياها.
هذا الطرح ما انفكت الجزائر تدافع عنه واضعة إياه في صلب اهتماماتها وانشغالاتها في علاقة القارة السمراء بمختلف التجمعات العالمية، مذكرة دون توقف أنه آن الأوان أن تكون أفريقا طرفا فاعلا في العلاقات الدولية، يسمع لرأيها، ويؤخذ بنظرتها ولا تبقى مجرد طرف شكلي في لعبة الأمم، يعتبرها الآخر خزانا للمواد الأولية للعالم المصنع المتقدم ومصدرة له نخبها وكفاءاتها، وتبقى هي في المقابل أسيرة التخلف المدقع والتهميش والمصير المجهول.
من هذا المعطى الثابت، حددت الجزائر موقفها من الشراكة الإفريقية الروسية المرتسمة المعالم في قمة سوتشي. وهي شراكة تنظر إلى أفريقيا طرفا كاملا غير منقوص، يتوفر على كافة مقومات المشاركة في صنع القرار الدولي  بناء على المتغيرات الجديدة ممثلة في بروز قوى فاعلة. وهي قوى شطبتها ترتيبات الحرب العالمية الثانية واتفاقات يالطا، بوتسدام وسان فرانسيسكو.
أولوية الشراكة الروسية الإفريقية التي يمكن تعميمها على الشركة مع المجموعات الدولية الأخرى، أن ينظر إلى القارة كطرف مهم وشريك له كلمته ووزنه ونظرته في تغير أسس العلاقات الدولية وقيمها ولعبة توازناتها المبنية على ديمقرطة القرار الدولي الذي يكتمل بإصلاح مجلس الأمن والوكالات المختصة الأممية برمتها.