طباعة هذه الصفحة

كلمــة العدد

مساحة ضيّقة للثقافة ..

بقلم: حبيبة غريب
01 ديسمبر 2019

غالبا ما يخاطب المترشح المواطن، خلال الحملات الانتخابية بوعود بتحسين معيشته اليومية ورفاهية قائمة أساسا على الاستهلاك و القدرة الشرائية المحسنة ونادرا ما يتطرق الخطيب السياسي إلى الثقافة التي كرّسها دستور 2016 كحق أساسي للمواطن .
فالكثير من السياسيين الجزائريين يعتبرون هذا المجال من الكماليات في الحياة والتي من الممكن الاستغناء عنها أو حصرها في البعض من الملتقيات والمهرجانات أو الوعود بترقيتها من خلال الفنانين أو إنشاء صناديق لدعم الثقافة والمثقفين.
 مع الحملة الانتخابية لرئاسيات 12 ديسمبر2019 ، تعرّت مرّة أخرى الأفكار والذهنيات وبقي الحديث عن النخبة ومخاطبتها مناسباتيا ومحصورا على بعض الولايات دون غيرها.. في المدية، قسنطينة، وهران، مستغانم التي تعد حظائر للثقافة والفن .
 قد أغفل كل مترشح للرئاسيات وحتى المثقف منهم بامتياز في خطاباتهم الحديث عن الثقافة حين تطرقوا إلى الاقتصاد والسياسة الخارجية والزراعة والشباب والمرأة، متناسين أن بلدانا كثيرة عامة و بعض دول الجوار خاصة قد جعلت من الثقافة مجالا اقتصاديا بامتياز يذر عليها سنويا مداخيل بملايين الدولارات وتروج من خلاله لوجهته السياحية وبالتالي تفتح آفاقا أخرى للتنمية.
 لكننا في الجزائر ما زلنا نتعامل مع الثقافة على أنها العرف المكسور من الشجرة أو الطفل اليتيم للعائلة الذي يحتاج إلى حضانة أو صدقة، نمتنع عن تقديمها له حين تتأزم الأمور ماديا.
إن الاختلاف في القرارات والدفع بالتوجه السليم والتوعية وتنوير الرأي العام مهام تقوم بها النخبة في البلدان التي تعي منذ الأول قيمة المثقف والفنان والقيمة المضافة التي قد يقدمانها في المشاريع الرامية إلى تحسين حياة المواطن و توفير الرفاهية له. كما أن الاهتمام بالنخبة وتوفير كل الظروف الملائمة لتشجيع الفنون والفكر و صناعة المسرح والسينما، تتوّلد عنه حتما قوة فكرية وثقافية قد تشكل حصنا منيعا للدفاع عن الهوية الجزائرية بكل مكنوناتها ضد الغزو الثقافي وتعد المواهب الثقافية والفنية هي الأخرى سلاح قد يستعمله إعداد استقرار الجزائر ضدها، وشأنها شأن الأدمغة المهاجرة.
 إن النخبة التي لا تجد الأرضية الخصبة لتفجير مواهبها وتفعيل عطائها وتثمين نتاجها الفكري والأدبي والفني في بلادها، ستبحث عن ملاذها خارج حدوده الجغرافية وتصبح بالتالي السلاح الذي يوجه ضد وطنها الأم... في حين يكتفي المترشحون للرئاسيات عندنا بإتباع المثل العامي، القائل: « من تشبع الكرش.. الراس يغني» و بالتالي باقون في مخاطبة المواطن من منظور مشاكله الاجتماعية فقط...