طباعة هذه الصفحة

نم قرير العين يا من جاهدت مرتين..

أمين بلعمري
24 ديسمبر 2019

المجاهد المرحوم، أحمد قايد صالح، نائب وزير الدفاع الوطني، رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي، أثبت أنه أكبر من مجرد قائد عسكري ولكن رجل دولة أجاد لعبة التوازنات وخوض المعركة على مختلف الجبهات في الوقت نفسه.

فقد استطاع أن يكون الجندي المستعد للتضحية من أجل وطنه وشعبه وأداء مهمة مقدسة أقسم على إنجازها حتى النهاية أو الهلاك دونها والسياسي الذي يجيد حسابات الربح والخسارة، حيث استطاع سماع آهات وتحمّل ضغوطات شارع يغلي، لديه مطالب مشروعة وطموحات جامحة في التغيير في الوقت الذي كانت هناك مؤامرات ودسائس خيوطها تحاك، وبين الاثنين لم ينكث بالعهد الذي قطعه على نفسه في مرافقة مطالب الحراك الشعبي حتى تحقق منها ما تتحقق.

كما استطاع إفشال مؤامرات دنيئة كانت تستهدف سلامة الدولة واستقرار مؤسساتها، هدفها الزج بالجيش في مواجهة مفتوحة مع شعبه من أجل حسابات السلطة وما يرافق ذلك من حسابات ضيّقة، سلطة  رفضها رغم أنها جاءته لقمة سائغة إلى فيه وفي طبق من ذهب وكانت كل الظروف في صالحه ليضع التاج على رأسه، إلا أنه زهد فيها وفي مغرياتها وواصل المهمة التي عاهد الشعب على أدائها إلا أن سلّم البلاد أمانة إلى رئيس منتخب وبعد أن أدى هذا الرئيس اليمين واستلم الأمانة وقلّده أعلى وسام تسديه الدولة الجزائرية من مصاف "صدر" وبعد أقل من أسبوع استلم صاحب كل الأمانات أمانته وفاضت روحه إلى بارئها وكأنّي به يقول أنا أديت مهمتي وأبرأت ذمتي، هذه الجزائر أمانة بين أيديكم وما أثقلها تلك الأمانة التي يموت صاحبها لأنه لم يترك أمامك من خيار إلا أدائها وصيانتها كما أدّاها وصانها المجاهد قايد صالح - رحمه الله- وهو الذي جاهد مرتين، الأولى ضد محتل، مستعمر غاشم حاربه شابا يافعا حتى ولى مدبرا أما جهاده الثاني وهو الأكبر، هو الحفاظ على أمانة الشهداء الأبرار الذين قاسمهم السلاح والكفاح في صفوف جيش التحرير الوطني وأقسم أمامهم على حفظ أمانتهم وصيانة وديعتهم إلى آخر قطرة من دمه غير أنه أنجر وعده دون إراقة قطر دم واحدة، لقد أخلصت النية والعمل فكرّمك أبناء شعب بأكمله حقنت دمائهم ولن تكفكف دموعهم وما إلى دموع الرجال وهي لا تنزل إلا لفقد الرجال، نم قرير العين فقد وفّيت وكفّيت.