طباعة هذه الصفحة

كلمة العدد

الكــــــــــــابوس

فضيلة دفوس
24 مارس 2020

عطست الصين  فأصيب العالم كله بالفيروس  القاتل ، الذي امتطى الطائرات و البواخر مختفّيا في صدور بعض المسافرين الذين تولوا دون علم منهم  زرع الوباء  في ربوع قارات العالم  الخمس ، حتى تلك البعيدة وصلها نصيبها من الداء الذي أخذ يقفز من رئة إلى أخرى لتنتشر العدوى بسرعة البرق في كل بلدان المعمورة  ،الغنية   قبل الفقيرة    التي وقفت  بكلّ ما تملكه من إمكانيات ،  عاجزة عن مواجهة هذا الوحش الكاسر ، وسكن الرعب قلوب و أفئدة الجميع خاصة بعد رؤية الجائحة تحصد  أرواح المئات في سويعات يوم واحد بدول  محسوبة على العالم الأول ، و باتت علامات الاستفهام تتزاحم في الأذهان و الأسئلة تتكدّس في  الأفواه»  إذا  كان الوباء قد صنع كلّ هذه الكوارث  في دول يجازف المهاجرون بحياتهم للوصول إليها لما توفره من رغد العيش،  فكيف سيكون الوضع   إذا حطّ  الفيروس اللّعين ببلدان العالم الثاني و الثالث و ما دونهما .
كورونا في الواقع لم يكسّر هدوء و طمأنينة  العالم فقط ،  و لم يضع الدول أمام  أصعب امتحان في حياتها فحسب ، بل لقد قلّب الموازين و القواعد التي تحكم  العالم رأسا على عقب ،و هو  ماض في خلق أسس جديدة تعيد  حسابات الأفراد وتدفعهم لمراجعة  سلوكهم  اليومي  ، و تجعل  الأنظمة  و الدول تستعد لمرحة جديدة من  العلاقات الدولية قد تشهد تقدم  دول وارتقائها إلى الصدارة ، و تدحرج أخرى و سقوطها  من قمّة الهرمّ  و ليس هذا فقط  ، فالعولمة التي فتحت الحدود على مصراعيها لهذا الوباء القاتل لينتقل بسرعة البرق  بين الدول و كأنه يتجوّل بين أزّقة حيّ واحد ، قد تكون بصدد دقّ آخر مسمار في نعشها ، لأن كورونا أغلق الحدود التي شرّعتها العولمة على مصراعيها، و دفع الدول إلى   إحاطة نفسها بجدار من العزلة ،  ما يضع  مستقبل الاتحادات و التكتلات على المحك، فقد لا يحتاج الاتحاد الأوروبي مثلا إلى استفتاءات و انتخابات لينفرط عقده و تدفن معه اتفاقية شنغن ، فاليوم كلّ بلدانه غلقت حدودها و نأت بنفسها عن حليفاتها تنشد الخلاص بنفسها ، طبعا أمام الموت تسقط كلّ القواعد  و تندثر كلّ الروابط ويصبح الشغل الشاغل للكلّ  هو البحث عن  قشّة النجاة .
كورونا قد يعيد النظر أيضا في طريقة التعامل مع  المآسي الكثيرة التي تهزّ العالم ، فالدول المؤجّجة للحروب و الأزمات التي تعصف بشعوب كثيرة  ، هي الآن تتجرّع ويلات الحرب ضدّ الفيروس اللعين ،و تتكبّد الخسائر البشرية و المادية الجسيمة ، وهذا الوضع الكارثي  قد يوقظ ضمائرها النائمة   ليجعلها ترى ما يعانيه الشعب السوري و الليبي و اليمني و الفلسطيني   من أوجاع و أسقام   فتعمد إلى إطفاء النيران الملتهبة و إعادة الحقوق لأصحابها .
الأكيد أن العالم الذي يخوض اليوم واحدة من أعتى الحروب ضد عدوّ  غادر غير مرئيّ  لا يمّيز بين جنس و دين  و لا يفرّق بين غنيّ و فقير ، سيعيش بعد نهاية الكابوس  مرحلة جديدة  تتغيّر فيها الكثير من المفاهيم و السلوكيات و حتى القواعد التي تحكم العلاقات الدولية.
و يبقى  المهم اليوم ، هو التغلّب على الوباء.