طباعة هذه الصفحة

حسن مدني... فريد

جمال أوكيلي
29 مارس 2020

سلوك حضاري راق وتفاعل غير مسبوق أظهره المواطن الجزائري في هذا الظرف الاستثنائي، حيال احترامه الصارم لتدابير الوقاية من تفشي وباء كورونا، لم نتعود عليها من قبل، وهذا بانخراطه الذاتي والطوعي في مسعي تنظيف وتعقيم الشوارع والأحياء دون انتظار قدوم المصالح البلدية وبامكانات محدودة لا تتعدى استعمال المياه والجافيل.
هذه المبادرات الصادرة عن تحرك نابع من قرار شخصي وفعل جمعوي ولجان الأحياء، تستحق التثمين من باب الشعور بروح المسؤولية تجاه الآخر في أوضاع خاصة، مثلما هي الآن وهذا في حد ذاته ترجمة لدرجة عالية من الوعي إزاء الوسط الذي نعيش فيه، بالمحافظة عليه وإبعاد كل المخاطر التي تهدده.
هذا العمل المشهود له خرج عن النطاق الهيكلة التقليدية المعروفة، لينتقل إلى الانشغال الدائم الذي كان يأمل في بروز مجتمع مدني يحمل في طياته بوادر الرغبة في تنظيم نفسه بنفسه، حتى يتمكن من التأثير في الأحداث والمساهمة في صناعة القرار على المستوى المحلي.
النشاط العفوي المسجل حاليا على أكثر من ولاية، يندرج في إطار كان محل اهتمام السلطات العمومية، باعتبار هذه الامتدادات ركائز متينة في المساعدة على تنفيذ القرارات ذات الصلة الوثيقة بيوميات المواطن، قد تجد الإدارة صعوبة أحيانا في تطبيقها لتسند في المقابل الى تلك القنوات قصد تمريرها، ولا يتعلق الأمر هنا بالمسائل السياسية بقدر ما يتلعق بالقضايا ذات المنفعة العامة.
لذلك، فإن هذه الهبّة الشعبية تدعو الى التفكير مليّا في كيفية إعادة هيكلة الحركة الجمعوية على الصعيد المحلي وهذا بإبعادها عن اعتبارها رافدا من روافد الأحزاب أو أذرعها الممتدة في نطاقات أخرى تقوم بالمهام المخولة لها من الناحية التنظيمية، لتتحول الى أداة للضغط وصوت للتشويش، وهذا ما نقف عليه كلما اقتربت المواعيد الانتخابية المحلية.
الظرف غير العادي الناجم عن انتشار هذا الوباء، حتّم على الجميع تغيير تصرفاته من طابعها الأناني القائم على مبدإ «تخطي راسي»، الى الاندماج في الواقع المفروض الذي يتطلب التعامل معه، مهما كان الأمر، وهذا فعلا ما دفع الشباب الى التكفل بأحيائهم وعدم الاتكال على أي جهة تحل محلهم.
هذا الحس المدني الفريد المتوجه نحو حماية يوميات المواطن من كل أذى يزداد اتساعا وتجذرا في أوساط كل من يؤمن بهذا المسعى الجمعوي. ولعل ما وقف عليه الجميع في الوقت الراهن، دليل قاطع على أن العمل من الآن فصاعدا، سيكون منصبا على حماية وسطنا، أي الفضاء الذي نعيش فيه، ولا خيار لنا غير ذلك، عن طريق حملات تطوعية لا تكون في قطاع النظافة أو التعقيم، بل هناك مجالات أخرى مفتوحة على مبادرات قيمة.
عودة هذا النشاط الحيوي الى الميدان، ينمّ عن مراجعة عميقة للكثير من الأشخاص لما يجري حولهم، من تنامي مخيف لعقلية «البايلك» وهذه الذهنية خطيرة جدا لا يسمح لها بأن تستمر في وجودها، كونها تعرقل الإرادة الصادقة في الانتقال الى آفاق رحبة وقد عانى الجميع من آثارها المدمرة.
كل الدعوات السابقة المتعلقة بالتشديد على نظافة البيئية، إصلاح قنوات الصرف الصحي، إزالة المطامير، رش أوكار الحشرات الضارة، تسريح المياه من أقبية العمارات وتنقية البالوعات والمجاري، تهدف إلى إبعاد أي تداعيات تتعلق بالأمراض المتنقلة وغيرها من هذه الحالات، والمسؤولية كل المسؤولية تقع على عاتق الجماعات المحلية.