طباعة هذه الصفحة

كلمة العدد

سقوط أخلاقي

فضيلة دفوس
19 ماي 2020

 المنطقي ّ أن الأزمات توحّد الدول و تعزّز تعاونها و تجعلها تعمل جنبا الى جنب لإيجاد الحل و الخروج الى برّ الأمان بأقل الخسائر ، لكن الأزمة الصحيّة العالمية الحالية أظهرت العكس تماما ، حيث رفعت من حدّة التوتر على الساحة الدولية ، و دفعت بالبلدان إلى  غلق أبوابها في وجه بعضها البعض لتحاول كلّ واحدة الخلاص بنفسها  دون الالتفات إلى غيرها ، بل وحتى الجهود المبذولة لإيجاد لقاح للفيروس اللّعين الذي يفتك بالبشرية   ، تحوّلت إلى ما يشبه الحرب  و العداء بدل أن  تتحوّل إلى  معركة واحدة  يخوضها الجميع جنبا الى جنب  دون حسابات مالية ، ودون تركيز على  الرابح  و  الخاسر ، لأن التوصّل  الى الدواء الشافي هو انتصار للجميع .
لقد شهدنا في بداية زحف الوباء على أوروبا ، كيف توتّرت العلاقات بين أعضاء البيت الواحد ، وانعزلت كلّ دولة داخل حدودها ، دون أن تمدّ الواحدة يد المساعدة للأخرى ، حتى أنّنا شهدنا أن الصين البعيدة سارعت الى نجدة إيطاليا ، في حين ركّزت الشقيقات   القريبات اهتمامها على شؤونها الداخلية و سدّت آذانها   حتى لا  تسمع  الانين  القادم من لامبارديا  و فينيتو  و ريميني  و غيرها ، و نفس الشيء فعلته الولايات المتحدة الأمريكية التي كان الجميع يعتقد أنه بحكم قوتها  ، فإنها ستأتي إلى نجدة الدول الموبوءة ، لكن الذي حصل أن ترامب زاد من عزلة أمريكا و جعلها لا ترى إلا ضحاياها و خسائرها ،و الأمر لم يتوقف عند هذا الحدّ، بل  لقد رفع الوباء و تكلفته  الباهظة من نقمة الرئيس الأمريكي و هو يستعد لمعركة انتخابية مصيرية ، فلم يجد غير الصين ليفجّر غضبه فيها .
وقد دقّت منظمة الصحة العالمية ناقوس الخطر منذ البداية ، وناشدت الجميع لتكاتف الجهود  و التعاون ، لكنّنا و باستثناء الصين التي مدّت يدها لأكثر من دولة لم  نسجّل أية استجابة لهذه النداءات.
في الواقع الأزمة الصحية التي ألمّت بالعالم ليست مجرّد أزمة عابرة يمكن مواجهتها بسهولة ،أو قضية سياسية تبرز من خلالها الخصومات  و الأحقاد و الرغبة في الانتقام و التشفي ،  بل هي معضلة حقيقية بتداعيات اقتصادية و اجتماعية كارثية  ، لهذا  فهي تستدعي التفاعل الدولي و التعاون  من أجل مواجهتها ووقاية شعوب المعمورة من خطرها .
إنّ العالم أجمع اليوم أمام عدوّ  مشترك لا يفرّق بين جنس ولا لون  ، و لا بين غني و فقير، فهو يضرب و يصيب كل الناس ، لهذا  لا بد أن تستند الدول بعضها  بعضا إذ لا يوجد دولة واحدة قادرة على مواجهة كورونا وحدها وبمعزل عن الدول الأخرى بما فيها الولايات المتحدة والصين.
 ويبقى في الأخير التأكيد على أن الأولوية اليوم هي لمواجهة كورونا  والبحث عن لقاح شاف بتعاون جميع الدول و تبادل المعلومات  بينها وبعيدا عن التفكير في تحصيل الربح المادي فقط ، فالمكاسب المعنوية أهم في هذا الظرف الإنساني الصعب، كما يجب   وضع الخلافات السياسية والاقتصادية  التي تنسف جهود حشد الطاقات لمواجهة الوباء جانبا
و ليعلم الجميع أن التعاون في أوقات الشدّة - كما قال أحدهم- يقرّب القلوب، ويخفّف كثيرا من الأحقاد والكراهية والبغضاء، والشدة هي اختبار للدول كما هي للأشخاص لأنها تكشف عن معدن الدولة ومعدن الشخص على حد سواء.