طباعة هذه الصفحة

التوافق المنشود

سعيد بن عياد
20 ماي 2020

مسودة الدستور تعطي مادة للنقاش والبحث عن أفضل الخيارات الممكنة لإعادة بناء البنية التنظيمية للمؤسسات والتوازن في توزيع الصلاحيات، وبالتالي لا تعد الوثيقة تحصيل حاصل بقدر ما هي مادة تتطلب أن تثير اهتمام المتخصصين من كافة التوجهات للتشخيص والتحليل وإبداء الآراء قصد تنمية المعطيات التي تساعد على صياغة مشروع جاهز يستوفي معاير التوافق المنشود.
وفي النقاش، لا ينبغي السقوط في تقديرات شخصية أو رؤى ضيقة تتأثر بفترات سابقة سادت فيها ممارسات مناقضة للديمقراطية أمام بروز الشخصنة التي أدت إلى نتائج مثبطة، قبل أن تعود البلاد إلى سكة المؤسسات ضمن الخيار الدستوري المتاح وإعادة وضع المسألة برمتها أمام الشعب الجزائري للإثراء والمساهمة في بناء دستور سليم يستجيب للتطلعات ويتصدى للتطورات، دون إخلال بالمؤسسات أو مساس بالإرادة الشعبية.
في ظل الوضع الراهن إقليما ووطنيا وعالميا واستباحة القوى النافذة في العولمة للسيادة الوطنية للدول من خلال تكريس حالة الجمود السياسي أو إثارة النزاعات وتغذية الخلافات عبر مختلف الوسائل والوسائط، منها بث مغالطات وأخبار زائفة محبوكة بإتقان، ليس من سبيل أمام الشركاء في المعادلة السياسة، من أحزاب وخبراء وشخصيات وإعلام، سوى العمل سويا باتجاه العبور إلى دستور جديد يسمح بإنجاز التطلعات الشعبية المعبر عنها في أكثر من منبر، ومنها تلك التي برزت في ظل «الحراك» لبناء دولة قوية يسود فيها القانون وتحفظ كرامة الإنسان وتسود تحت مظلتها العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص.
من الخطإ انتهاج مقاربة تقييم الحضر ضمن ممارسات الماضي، الذي ولّى، وحتى لا تستمد أدواته ينبغي العمل جميعا للوصول إلى صياغة دستور توافقي يعكس مدى الإرادة السياسية الحالية لإنجاز التغيير من بوابة تعديل الدستور، بعيدا عن أي تصورات جاهزة أو أحكام مسبقة، طالما أن المسودة وثيقة أولية تفتح أفقا للنقاش الهادئ والموضوعي الذي يساعد على ضبط عملية إنتاج مشروع يجد فيه كل شريك مكانته بمعايير الديمقراطية التي لا مجال فيها، كما كان يحصل في السابق، لإجماع مغشوش أو صفقات وراء إرادة الشعب، الذي يبقى صاحب الإرادة الصريحة من خلال التعبير عنها في استفتاء يحسم الخيارات.