بعد جفاف دام طويلا هدّد بنقص مخزون مياه السدود وجعل الفلاحين يبيعون مواشيهم بأبخس الأثمان، جاءت الأمطار التي تسّببت في قتل أشخاص وتهدّد كثيرا من المدن التي بنيت على حوافي الأودية الصامتة.
إنها التراجيديا التي تؤكد أننا تعاني في كل الحالات، فلا الجفاف في صالحنا وهو الذي يهدّدنا بالعطش وبموت قطعان المواشي ولا الأمطار يمّر تساقطها مرور الكرام، وكثيرا ما تتسبب كميات ولو قليلة منها في كوارث تعيد إلى أذهاننا كابوس باب الوادي الذي ما تزال تداعياته مستمرة بعد عشرين سنة من وقوعه.
ما يحدث هو نتيجة منطقية لتكسير مخططات عمرانية كانت توصي بمنع البناء فوق مسارات مائية، لكن فوضى العمران دفعت كثيرا من المسؤولين المحليين إلى غض الطرف عن أناس تحوّلت بيوتهم إلى ما يشبه السدود في وجه السيول، وبعضهم عمل على تدمير قنوات صرف وشيّد فوقها بيتا رغم أنف العمران والطبيعة.
حدث هذا في مدن شهدت جفافا طويلا، فقيل إن الوادي القديم صمت إلى الأبد بفعل تحوّل مناخي، لكن الوادي «الصامت» لن يصمت إلى الأبد، فهو مثل البركان الذي ينشط بشكل مفاجئ، وعند نشاطه قد يأخذ في طريقه الأخضر واليابس.
وحتى المدن المسمّاة كبرى، لم تستثنى من هذه الكارثة العمرانية، فبعضها على غرار مدينة الجزائر العاصمة، صمّم في الأصل ليضمن عشرات الآلاف من الساكنة، لكنها تضخمت وأصبحت تأوي الملايين من الناس في تحدّ صريح لقوانين العمران، وبعض قنوات الصرف العملاقة لم تتم صيانتها منذ سنين.
وبين فيضان باب الوادي وفيضان وادي مكناسة، تتعدد الأودية التي تهدّد السكان تدفع بعضهم لأن يتمنى استمرار الجفاف وكأننا لسنا في مستوى خير الأمطار.