طباعة هذه الصفحة

العـرب: عار هذا الوجود؟!

بقلم: عيسى عجينة
15 جويلية 2014

في الأسبوعين الماضيين قدمت الأردن بمشاركة أستراليا ولوكسمبورغ مشروع قرار لمجلس الأمن الدولي حول المساعدات الإنسانية للسوريين، وكان المشروع الذي أفشلته روسيا يتضمن اللجوء إلى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة.
تذكّرتُ هذه الواقعة وأنا أتتبّع العدوان الدامي والهجوم الوحشي الإسرائيلي على قطاع غرة والاعتداءات المتكررة يوميا على المواطنين الفلسطينيين في الضفة الغربية، وكنت أمين بنفسي، قد يبادر الأردن ويشارك روسيا في مشروع القرار حول هذه المأساة الذي أفشله الغرب وفي طليعته الولايات المتحدة!
دافعي لهذه الأمنية الوهم، أن المملكة مجاورة، إن لم تكن لغزة فهي ملاصقة بالضفة الغربية، وكلاهما غزة والضفة في الهم سواء، كما أن الأردن معنويا لاتزال سلطة أو نوعا من السلطة بالنسبة للحرم المقدسي، وهي إن فكت الإرتباط بالضفة، فالمدينة المقدسة لا تزال تتمتع بنوع من السلطة الأدبية عليها، وهي أيضا كانت تحت وصايتها قبل هزيمة ١٩٦٧، كما كانت غزة تحت إدارة مصر قبل نفس الهزيمة.
لماذا أذكر الأردن؟ أولا هي عضو في مجلس الأمن، حتى وإن كانت من الأعضاء غير الدائمين إلا أن ذلك لا ينفي أن حقها تقديم مشروع قرار بهذا المعنى بمشاركة أعضاء آخرين أو دونهم، ولعل سابقة سوريا تشفع لي بذلك. ثانيا كل الديماغوجية السياسية والإعلامية الأردنية التي تتعلق بهذه المسألة تدعي مساندتها الحق الفلسطيني ودعم نضال هذا الشعب الذي تطرح القوى الكبرى وإسرائيل في مقدمتها دوما مسألة حل هذه القضية في إطار الوطن الفلسطيني البدلي وهو الأردن.
لا الجامعة العربية تحرّكت كما كانت تزعق دوما بالنسبة للملف السوري، ولا الرياض التي أوكلت عمان مقعدها في مجلس الأمن، أما الدوحة وأخواتها من الامارات والمماليك، فلم تطلق العنان لقرضاويها الذي تستعمله دومتا كدمية مخبولة حين يتعلق الأمر بسياسة التفتيت والتفكيك التي تنتهجها تجاه سوريا أو العراق أو مصر أو ليبيا مثلا…
وحين تعلن إدارة أوباما، الذي بشرتنا به هذه المماليك وتلك الإمارات أن إسمه حسين وولد مسلما، ومن ثم علينا أن نستبشر بقدومه، أقول سارعت هذه الإدارة لتعلن تأييدها للهجوم الاسرائيلي الجوي، وأيضا الهجوم البري إن قام به وهو نفس الموقف الذي تبناه الإتحاد الأوروبي.
ما هو موقف العرب؟ وما هو موقف الجامعة العربية؟ وما هو موقف منظمة التعاون الإسلامي؟ وما هو موقف إخوان داعش، هؤلاء الذين يملؤون فضائيات الفتنة والتضليل والضلال زعيقا وعويلا ونواحا عن الشعب السّوري وعن الشعب العراقي؟
حتى ذلك الكوري الجنوبي الذي فرضته واشنطن في الأمانة العامة للأمم المتحدة يأتي تصريحه البارد الباهت بهذا الشكل: إنّ توقف إطلاق الصواريخ على إسرائيل يمكن أن لا يحدث هجوم بري لاجتياح غزة!
تصوّروا أمين عام هيئة دولية مهمّتها الأساسية الحفاظ على السلم والأمن الدوليين وردع العدوان وحماية الشعوب الضعيفة والدول الصغيرة من جبروت وطغيان الأقوياء، يطرح هذه المقايضة ويساوي بين مجرد مقذومات بدائية لشعب يتعرض لعدوان وإبادة، وبين ترسانة حربية مدمرة لدولة أعطتها هذه المنظمة حق الوجود القانوني منذ أكثر من ستين سنة بجانب دولة أخرى تنكر إسرائيل دوما حقها في الوجود.
كانت المسؤولية الاخلاقية على الأقل تفرض على الأمم المتحدة وعلى السي بان كيمون أن يذكر تل أبيب أنّ وجودها كدولة كان بفضل هذه الهيئة التي لا تقيم لها إسرائيل وزنا مثلها مثل الدول العربية المحيطة وغير المحيطة.
ليس بجديد مواقف الغرب ولا مواقف واشنطن، وليس بجديد خذلان مواقف مماليك وإمارات هي دوما أحد أوجه الهم العربي، هذه حقيقة تتكرر باستمرار وتصدمنا باستمراره.
نحن الآن بصدد آخر مراحل الإنتقام الرهيب من ما بقي من العنفوان العربي، الذي كان يوما يدفع بهذه المماليك وهذه الإمارات التي تتميز اليوم للاختباء في صحورها.
وحين تصبح مصر تحت مظلة السعودية نتيجة الحاجة والفاقة، فإنّني أودّ التّذكير أنّ الرياض كانت دوما وراء القاهرة وخصما لها منذ حرب اليمن في الستينات وقبلها، وهي اليوم نتيجة أموالها تفرض على هذا البلد الكبير أن يتنازل على الكثير من قيمه النضالية وتراثه العربي القومي، وأيضا نتيجة سياسة الإنبطاح التي بدأت بعد حرب أكتوبر ٧٣، سياسة كان أيضا للسعودية من خلال شخصية كمال أدهم دورا كبيرا في إجهاض السادات لذلك المكسب، ورمي كل أوراق القضية في سلة واشنطن.
ترى هل يستمر هذا السديم وهذه العتكة التي تحيط بعالمنا العربي؟
لست متشائما من عادتي، ولكن ما نعيشه اليوم من إحباط وخنوع وهوان ومآسي يجعلني أيضا لست متفائلا كثيرا، غير أن مقاومة أهل غزة وصمودهم، كما مقاومة السوريين وثبات جيشهم يدفع بي إلى القول أنّ الأمل هو الأمر الوحيد الذي علينا أن نتمسك به، وإن لم يوجد علينا إيجاده وخلقه، وبما أنّ الأمر يتعلق بغزة، أختم هذه العجالة ببيت شعري للإمام الشافعي وهو وليد غزة..
يعيبون علينا زماننا والعيب فينا
وما لزماننا من عيب سوانا!
إنّنا عار هذا الوجود لحد الآن؟