طباعة هذه الصفحة

تداعيات خطيرة على أمن الساحل

دعاة التدخل العسكري يجهضون جهود التسوية

جمال أوكيلي
11 نوفمبر 2012

اهتمام  دولي غير مسبوق بالملف المالي يلاحظ في الوقت الراهن، هناك من يشاطر فكرة التدخل العسكري وهناك من يدعو إلى الحل السياسي، وكل طرف له مبرراته التي يراها كفيلة بأن يتم السير عليها لإنهاء التوتر بتلك المنطقة فهل هناك تفاوت أو أولوية لطرح على آخر في السياق الحالي؟
الجهات التي تلوح بالعمل العسكري لا تقدر حقيقة ما يجري في المنطقة معتقدة بأن الأمر مجرد طرد للجماعات المتشددة من أماكن معينة (غاو.. تومبوكتو..) من الخطأ الفادح الإبقاء على هذا الوهم لأن المعطيات التي بحوزة دعاة هذا الخيار خاطئة، غير مبنية على رؤية واقعية وسليمة، تجهل حقا ما يقع بحكم بعدها بالآلاف من الكيلومترات عن هذه البؤرة.
وكل خطوة غير محسوبة ستكلف غاليا، لكل الشعوب، وتدخل في منطق اللااستقرار، الذي تريد البعض من الأطراف إحداثه في الساحل وبخاصة على الحدود الجزائرية لذلك فإن اللعبة مكشوفة والأكثر من هذا مفضوحة ولا داعي لكلام فلان أو حديث علان كل الرهان يكمن في هذه النوايا غير معلنة.. لأن أبعاد التدخل العسكري مهما كانت الخطط «الاستراتيجية» لا تحل المشكل في الميدان، حتى وإن منح لهؤلاء ١٠٠ يوم أو أكثر لإعداد مجال تدخلهم فإن نهايته الانسداد لتعود المبادرة المتعلقة بالحوار هذا لا يعني أبدا بأن التفاوض يشمل كل من هو موجود على الأرض بل هناك فرز في وسط هذه التنظيمات التي ستواجه بالوسائل المخصصة لمكافحة الإرهاب.
ولا بد من الإشارة هنا إلى أن مسارات التفاوض تم الشروع فيها مع الحركة الوطنية لتحرير الأزواد وأنصار الدين، ويحتمل انضمام تنظيمات أخرى غير إرهابية تجنح إلى السلم. والأرضية الصلبة والأساسية التي تستدعي التركيز عليها في هذا الحوار، هو تحييد كل من يستعمل العنف وهذه المهمة مخولة لتلك الحركات الموجودة في هذه المناطق بإبداء الرغبة الشديدة في ملاحقة العناصر التي تسعى لتحويل هذه الجهة إلى نقطة للنزاعات والصراعات بعد التضييق الذي تعرضت له في أفغانستان والعراق والصومال وما حدث كذلك في ليبيا، كل هذه العوامل تفسر حجم هذا التحرش والتكالب على الساحل.
لذلك فإن رافعي راية التدخل العسكري يجهلون الخلفيات الناجمة، وتداعياته الرهيبة على كل هذه الجهة لأن الأمر ليس بالسهولة التي يتصورها البعض والأمثلة الحية أمام أعيننا، هل انتهت المشاكل الأمنية في البلدان التي ذكرناها سالفا؟ لا أبدا، بالعكس كل يوم تزداد تعقيدا إلى درجة لا تجد لها التفسير المعقول والمقبول، ولا يعقل أن يوافق أي واحد على مثل هذه الانعكاسات!؟ خاصة سعي البعض لفتح «جبهة إرهابية» جديدة في الساحل، نحن في غنى عنها، كونها ستدخل كل تلك البلدان في متاهات وأوضاع خطيرة على شعوبها، بتعميق جرح اللااستقرار بتسجيل الهجرة الجماعية لسكان تلك المناطق، ويتحول كل شيء إلى ما يعرف بالمآساة الإنسانية.
لذلك فإن هناك تناقضا ملموسا ما بين مسارات التفاوض والحوار، ودق طبول الحرب، والمنطق الأكثر قابلية للعقل والواقع هو المسار الأول، لأنه يجنب المنطقة كوارث غير منتظرة، ومهما كانت التصريحات الصادرة عن البعض لمساعدة «القوة» المتدخلة بوسائل الاتصالات، وتحليق الطائرات الاستكشافية فإن المشكل كل المشكل في الميدان، لأن الأسئلة الملحة الواجب أن تطرح مفادها هل تستطيع «الإيكواس» محاربة الإرهاب خارج بلدانها؟ هل بإمكانها طرد العناصر المتشددة من شمال مالي؟ هذه الأسئلة لا نجد لها أي جواب وهذا لعدة اعتبارات تتعلق بطبيعة الأشياء في إفريقيا!؟ فمن المستحيل أن تقدم هذه الدول على مثل هذا القرار دون مراعاة هذه الجوانب، لأن هناك فرقا بين المغامرة والنظرة الشديدة لما يقع في منطقة الساحل؟
وفي مقابل ذلك، فإن تسارع الأحداث، لا ينسي البعض بأن المالي يعيش فراغا دستوريا، وعليه أن يلقى المساعدة الضرورية من أجل تطبيع أوضاعه الداخلية، حفاظا على وحدته الترابية، ومثل هذه الحالة تتطلب أن تعطى لها الأسبقية في المرحلة الأولى، ثم تأتي المراحل الأخرى، أي البدء في العمل السياسي، الذي يمكنه فيما بعد من البحث على رؤى أخرى، هي محل إثارة خارجية، فالوقت الحالي هو للتحليل الجيد والقراءة البعيدة المدى وليس لحسابات ضيقة.