طباعة هذه الصفحة

جرائم بلا حدود

فضيلة دفوس
15 نوفمبر 2012

يخطئ حتما من يعتقد بأن الفصائل التي تطلق الصواريخ التي وصفها ذات مرّة محمود عباس بالعبثية على إسرائيل، هي التي تعطي المبرّر والدّافع للكيان الصهيوني ليشن حملة التقتيل والإبادة في حقّ الشعب الفلسطيني في غزة أو في غيرها، لأن إسرائيل لم توقف يوما حربها ضد الفلسطينيين والتي تتخذ كل الأشكال والأساليب اللاإنسانية واللاأخلاقية، ثم ـ وهو الأهم ـ أن هذا الكيان الغاصب لا يستطيع أن يحيا ويعيش بدون حروب ومعارك يختلق أسبابها ومبرّراتها إذا لم تأتيه على طبق من ذهب، ويقودها دوما على الحلقة الأضعف وهم المدنيون حتى يبرهن لنفسه من منطلق جنون العظمة والطابع الإجرامي الذي يميّزه، أنه الأقوى... ولا يصعب البرهان على هذه الحقيقة فالأدلة كثيرة، ويكفي فقط عدّ الحروب التي شنتها إسرائيل منذ أن زرعت نفسها غصبا في قلب الوطن العربي منذ عام ١٩٤٨ مرورا بحرب ٦٧ و٧٣ واحتلال جنوب لبنان عام ١٩٨٢ ثم القمع الدموي للانتفاضة الأولى عام ١٩٨٧ والعدوان ''الشاروني'' على الضفة عام ٢٠٠٠ بعد إنتفاضة الأقصى، لتأتي حرب تموز ضد حزب اللّه وجنوب لبنان عام ٢٠٠٦، لتليها الحرب ضد غزة أو عملية الرصاص المصوّب مابين ديسمبر ٢٠٠٨ وجانفي ٢٠٠٩، واليوم هاهي مقدّمات حرب جديدة مسرحها ـ أيضا ـ غزة وضحاياها المدنيون الذين سلموا من الآلة العسكرية التي حصدت قبل أربع سنوات أزيد من ١٥٠٠ شهيد.
ملامح الحرب الجديدة على غزة، بدأت ترتسم بوضوح ودواعيها تتجاوز الصواريخ التي يطلقها هذا الفصيل أو ذاك من فصائل المقاومة، لأنها ببساطة مرتبطة بعدة أسباب وعوامل خفيّة في مقدمتها ـ طبعا ـ النزعة الإجرامية للاحتلال الصهيوني، ورغبته الجامحة مهما كانت الظروف والأوضاع في قهر وتقتيل الفلسطينيين وإبقائهم دائما في خانة الضحية، وفي حالة الخوف والهلع، ثم هناك ركائز الاستراتيجية العسكرية التي تتبناها إسرائيل، والتي تقوم على شنّ الحروب من حين لآخر، لتقييم قدراتها الردعية والهجومية والدفاعية، كما هناك عوامل سياسية مرتبطة بالانتخابات المسبقة التي ستجري في إسرائيل قريبا.
فالعدوان الجاري على غزة ـ كما قاله السفير الفلسطيني في الجزائر حسين عبد الخالق ـ يوم الثلاثاء الماضي، يدخل في إطار الحملة الانتخابية الإسرائيلية.
غزة على حافة حرب بدأت مقدماتها تزرع الموت والدمار، وحتى لا تتكرر عملية ''الرصاص المصوّب'' من المفروض على العالم أن يتحرك ليضع إسرائيل عند حدّها، لأن المعركة غير متكافئة بالمرّة وذريعة الصواريخ يمكن حلهّا بسهولة بتدخل أي طرف يقنع فصائل المقاومة في غزة بوقف إطلاقها.
لكن من خلال ردود فعل الدول القوية التي تحرّك دواليب العالم يمينا وشمالا في الاتجاه الذي تريد، ندرك جيدا بأن إسرائيل مطلوقة اليدين لتمارس طقوس عنفها وإجرامها كما تشاء، لهذا فإننا نضع أيدينا على قلوبنا خشية التطورات القادمة.