الانقلابات ... الدّاء المزمن

فضيلة دفوس
03 نوفمبر 2014

الظاهر أن “إيبولا” و الارهاب و الفقر والتكالب الغربي ليست الآفات الوحيدة المتربّصة  بالقارة الافريقية ، فثمّة خطر أكبر بكثير،  يزلزل أركان السّمراء ويهز أنظمتها ليدخل بلدانها في متاهات من عدم الاستقرار تمتد في بعض الأحيان إلى حروب أهلية مدمّرة .
هذا الخطر الكبير هو الانقلابات العسكرية  التي وجدت أرضيتها الخصبة على ما يبدو في إفريقيا ، إذ ما أن تنتهي فصول واحد منها في بلد حتى تبدأ فصول آخر في بلد ثان، وقد سجلنا في ظرف السنتين الماضيتين فقط ثلاثة انقلابات عسكرية  وقع الأول في مالي يوم 22 مارس 2012 ، تلاه  بعد سنة واحدة انقلاب ثان في جمهورية إفريقيا الوسطى ، والثالث جرت وقائعه نهاية الأسبوع الماضي في جمهورية بوركينافاسو ولازالت تبعاته لم تتّضح بعد.
إن الانقلابات العسكرية  التي استوطنت إفريقيا دون غيرها من القارات ،حتى و إن لبّت  في بعض الأحيان رغبة الشعب في التخلّص من رئيسه  كما هو الحال في بوركينافاسو ، تعتبر أسوأ طريقة للتداول على السلطة ،لأن نتائجها تكون في الغالب وخيمة، فهي كثيرا ما تدخل البلدان التي تقع فيها في أزمات  سياسية و أمنية  تعمّق الجراح و توسّع الشرخ ما يخلق مآس إنسانية مريعة  و يزيد من تدهور الأوضاع الاقتصادية المتدنية أصلا، و هي على العموم الظروف المتعفّنة  التي يستغلها لصوص الثروة لمزيد من النّهب.
مصيبة إفريقيا الكبرى إذن هي غياب الثقافة الديمقراطية في التداول على السلطة  الذي يتم في كثير من الأحيان عبر استعمال القوة ، حتى أضحى الحاكم فيها لا يأتي إلاّ على ظهر دبابة و لا يغادر إلاّ مطاحا به .
و قد أحصت القارة السمراء في خلال  نصف قرن أزيد من 80 انقلابا عسكريا جلّها في بلدان إفريقيا السوداء ، و بعض هذه الانقلابات أطاحت بأنظمة منتخبة ديمقراطيا مثلما حصل في مالي قبل سنتين.
وعلى الرغم من أن  إلقاء اللّوم يقع على عدد من العوامل المسبّبة للانقلابات العسكرية في إفريقيا مثل التاريخ الاستعماري والمؤامرات الخارجية و الفساد وما ينتجه من غبن اجتماعي، فإنّ لها نفس العواقب فيما يتعلّق بعدم الاستقرار الذي قد يدوم لعقود طويلة  و النموذج الحيّ يقدمه الصومال الذي يئن تحت وطأة العنف و غياب الدولة مند الإطاحة بنظام سياد بري عام 1991.
وعدم الاستقرار السياسي هذا له تبعاته الأمنية وانعكاساته على التنمية والتطور الاقتصادي والاجتماعي ما يفسر بقاء إفريقيا بعد  أزيد من نصف  قرن على استقلال جلّ دولها، و برغم ما تكتنزه من ثروات، غير قادرة على تحقيق طموحات شعوبها التي يعيش بعضها على التسوّل و في ظروف تجتمع كلها لتدفع أبناءها إما إلى الهجرة و ركوب مخاطر البحر أو لحمل السلاح في وجه الحاكم الذي خيّب آمالهم. 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19432

العدد 19432

الأربعاء 27 مارس 2024
العدد 19431

العدد 19431

الثلاثاء 26 مارس 2024
العدد 19430

العدد 19430

الإثنين 25 مارس 2024
العدد 19429

العدد 19429

الأحد 24 مارس 2024