طباعة هذه الصفحة

حسابات الربح والخسارة

حمزة محصول
11 مارس 2013

بعد شهرين من حربها على الإرهاب في مالي، بدأت فرنسا تفكر بشكل جدي في سحب قواتها وتسليم المهمة للقوات الإفريقية التي ستتحول إلى قوة أممية لحفظ السلام، على أن يقتصر دورها فيما بعد على تدريب الجيش المالي وتقديم الدعم الاستخبارتي واللوجيستي، وتتحدث عن قرب انتهاء العملية التي أنفقت فيها ملايين الدولارات وخسرت 4 جنود.
منذ بداية السجال السياسي بين القوى الإقليمية والدولية، لفرض مقاربة مناسبة لإخراج مالي من أزمتها السياسية والأمنية، رافعت فرنسا لعملية عسكرية شاملة تقودها جيوش افريقية، من اجل الحفاظ على الطابع المحلي الإفريقي للازمة، وإبعاد الهواجس لما يمكن أن يعتبر حنين استعماري أو خطوات تحركها أطماع اقتصادية بحتة، لكنها استطاعت بطريقة ملتوية الالتفاف على تصريحاتها، من وراء ستار الحلول العاجلة التي تطلبها السلطات الانتقالية في باماكو، فقد روجت لفكرة عدم المشاركة في العمليات الحربية، سوءا بالقوات الجوية أو البرية، وستكتفي بدعم ، التصور العملياتي الذي عكف على إعداده  وزراء دفاع مجموعة الايكواس ماديا ولوجيستيا ، قبل أن تفاجأ العالم بإعلانها الحرب بشكل منفرد، متذرعة بنداء استغاثة  الرئيس المالي الانتقالي ديونكوندا تراوري، الذي قيل بشأنه، أن باريس هي من أملت عليه طريقة صياغة النسخة الثانية منه، بعد أن رفضت الأولى كونها غير مضبوط بدقة ولا تحدد كيفية التدخل. وأعطت إشارة الهجوم لطائراتها الحربية، لصد الزحف المزعوم للجماعات الإرهابية نحو الجنوب. وانتقلت من التدخل الجوي إلى الإنزال التدريجي للقوات الخاصة إلى أن بلغ العدد 4 آلاف عسكري، يخوضون المعارك إلى جانب الجيش التشادي وجها لوجه مع الإرهابيين في الأحياء و الجبال التي يتحصنون بها. مع إشادة دولية واسعة بجهودها في مكافحة الإرهاب ومساعدة مالي على استعادة كامل سيادته.
بعد مرور شهرين من الحرب، اتضح أن فرنسا بذلت ما بوسعها، لرعاية الأزمة المالية، والانفراد بالقرار، من منظور براغماتي محض، يضمن مصالحها، ويقوي وجودها في المنطقة على المدى البعيد، رابحة بذلك معركة النفوذ، بعد أن توصلت إلى اتفاق أنهى مع الولايات المتحدة الأمريكية غموض إستراتيجيتها، عقب التحفظات التي أبدتها هذه الأخيرة في بادئ الأمر، وقامت بإخلاء ساحة المعركة، لقيادة العمليات العسكرية بصفة شبه منفردة، بعد التأخر الغريب في نشر قوات الايكواس، منجزة بذلك الجزء الأكبر من المهمة، وحصلت على الفضل كله، في طرد الجماعات الإرهابية من المدن الثلاثة الرئيسية بشمال مالي، الأمر الذي مكنها من ضمان ميدان المناورة السياسية أيضا، فقد التفتت السلطات المركزية المالية لضرورة مباشرة العملية السياسية وتنظيم الانتخابات، عندما اعتقدت فرنسا أن وقتها حان، وتشدد في كل مناسبة على ضرورة إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية في جويلية القادم، ولم يعد بإمكان أي طرف أن يفرض أي اقتراح حتى فيما يتعلق بالمفاوضات مع الحركة الوطنية لتحرير ازواد، التي تتحفظ على نزع سلاحها نظرا للتنسيق الأمني الموجود بينهما.
رأت فرنسا، أن هدفها الذي يفوق مكافحة الإرهاب وبسط الأمن في مالي، كلل بالنجاح، فحديثها عن الشروع في سحب القوات الشهر المقبل والإشادة بالمهمة، وهي تعلم أن الوضع في حاجة لمقاربة سياسية أكثر من عسكرية، وان استقرار الوضع الأمني لازال بعيد المنال، يؤكد أن رهانها الأكبر  هو احتلال الريادة في صناعة مستقبل المنطقة، وبدرجة اقل امتصاص غضب الرأي العام الداخلي من حجم الخسائر البشرية والاقتصادية.