كنت لا أود الحديث عن صورة تراجيدية بقيت راسخة في ذهني، بقدر ما حاولت الوصول إلى تفكيك هذه التشنجات التي تابعت تفاصيلها، أول أمس بكلية العلوم السياسية والعلاقات الدولية .لو كان الذي حدث مجرد خلاف بسيط، وانتهى لهان الأمر، ولكن أن تتحول مدرجات هذا الصرح التعليمي الضارب في التاريخ ، إلى موقع نزال، أشبه بما نراه في مباريات كرة القدم بملاعبنا، فتلك وصمة عار كبيرة في تاريخ هذه الكلية الشعلة والرمز.
الكلية التي تخرجت منها الزبدة ونخبة المجتمع الجزائري، تحولت في ساعة من الزمن إلى حلبة ملاكمة وبدت أروقتها فضاء للكر والفر من جهة بين مقبل ومدبر من جهة أخرى، اختلط فيها الحابل بالنابل ولا تستطيع في ضوضاءها وتشابك السواعد والأطراف التمييز بين الطالب والعون والأستاذ .
مهما بلغ الاختلاف القائم بين الأساتذة والإدارة، كان من الأجدر الاتفاق على صيغة تجمع الطرفين لأن الأمر يعنيهما هما فقط، لا دخل للطلبة في هكذا صراع وهمي خرافي، وكان من الممكن التحايل غير المعلن من الجانبين، كحل وسط، حفاظا على الاستقرار ومكانة الجامعة الأسطورية العالقة في أذهان الطلبة، دون السماح بإراقة الدماء و المظاهر السلبية التي رافقت المشهد في أمسية الخميس الدامية .
كان على الطرف الساعي إلى عقد جمعيته التنازل قليلا، بعد أن أغلقت الإدارة كل الأبواب في وجهه معتبرة إياه لقاء غير مرخص له، لدواعي نعرف بعضها ونجهل بعضها الآخر وكان على الإدراة أيضا التعامل بحنكة مع الأساتذة، بعيدا عن السقوط في دوامة العنف والفوضى، لأن الأستاذ يبقى مربيا وأكاديميا ومكانته تحفظها المراسيم والدساتير والوصول إلى إهانته والتقليل من شأنه خط أحمر، لا يرضي أحدا .
في خضم هذه التلاسنات والتجاذبات، سواء التي تصنعها التنظيمات الطلابية أو تلك التي تخوضها الأجنحة المتصارعة للفروع النقابية للأساتذة، علينا أن ندرك جيدا أننا بداخل حرم جامعي يحمل من القداسة والمنارة والإشعاع، ما يؤهله ليكون بعيدا عن التسييس والتحزب والطائفية وغيرها من الأمراض المستعصية المتفشية في ملاعبنا وشوارعنا ومدننا.
وبعبارة أكثر وضوحا اتركوا الفتنة نائمة بعيدا عن أسوار جامعاتنا، نأتي إليها نغترف المعارف والفكر بعدما أوصدت الشوارع أرصفتها في وجوهنا.