كان هذا هو شعار استقبال الجزائر للاجئين السوريين الذين طردهم المغرب، وهو مبدأ آخر من المبادئ غير المعلنة للدبلوماسية الجزائرية، لا تسمع عنها كثيرا ولكن تلمسها وتراها في الأفعال والتصرّفات وليس عبر مكبرات الصوت والبروباغاندا الزائفة.
لقد أثبت القرار الذي اتخذته الجزائر، القاضي باستقبال اللاجئين السوريين الذين طردتهم السلطات المغربية إلى منطقة “فقيق” على الحدود مع الجزائر وظلوا عالقين بها منذ منتصف أفريل الماضي إلى غاية الفاتح جوان الجاري التاريخ الذي أعلنت فيه الجزائر عن استقبالهم ووضع حد لمعاناتهم المستمرة لثلاثة أشهر، احتجزهم خلالها المغرب كرهائن واستعملهم في عمليات الابتزاز والتشويه وقلب الحقائق دون أدنى اعتبار لوضعهم الانساني الصعب ولم تأخذه رأفة بالأطفال المتواجدين بينهم ولا بالنساء الحوامل التي اضطرت إحداهن إلى وضع حملها في تلك المنطقة التي تفتقد لأدنى شروط الحياة.
هكذا تذكّر الجزائر العالم أجمع بنبل مواقفها المستمدة من ثقافة الكرم وحفاوة الاستقبال المتجذرة في شعبها منذ قرون ما جعلها مواقف عارية من أية اعتبارات سياسية أو سياسوية تكون على حساب حالات إنسانية في المقام الأول، على غرار أولئك اللاجئين السوريين الفارين من جحيم الإرهاب والحرب الطاحنة في بلادهم، ولكن رغم ذلك لم تتوان الحكومة المغربية عن توظيف مأساتهم في حربها الدعائية ضد الجزائر وشعبها باتهامها كذبا وزورا بطردهم، متناسية أنها استقبلت أكثر من 40 ألف لاجىء سوري، منذ بداية الأزمة سنة 2011، فأي منطق هذا الذي يجعلها تستقبل الآلاف وترفض استقبال 40 لاجئا سوريا، كل واحد منهم هو حالة إنسانية قائمة بذاتها؟
لهذا كان أول من فنّد هذه الادعاءات والافتراءات هي منظمات وجمعيات إنسانية من المغرب الشقيق.
إن الرهانات السياسية أو الجيوسياسية والجيواستراتيجية... إلخ ومهما اختلفت المسميات والعبارات، فإنها لا تساوي شيئا إن لم تلق بالاً للاعتبارات الإنسانية، لأنها ستتحول في الأخير إلى مجرد عمليات افتراس وحشية تخضع لقانون الغاب والأبشع من ذلك هو استغلال مآسي اللاجئين
و توظيفها في عملية تصفية حسابات سياسية تتعلق بمواقف الجزائر المشرّفة في نصرة القضايا العادلة وحق الشعوب في تقرير مصيرها، وفي مثل هذه الحالات يمكن القول إن الإنسانية انتصرت على السياسة وعلى حساباتها.