طباعة هذه الصفحة

كل عام وأرواحكم تسبح في البوح

نور الدين لعراجي
18 مارس 2018

ظلت القصيدة تصنع حالاتها الجنونية من بين النصوص الادبية الاخرى ، فتارة تشق طريقها دون خجل ، وتارة اخرى تشق الصفوف الابداعية في العلن دون حياء تأتي مع الفجأة ، تثير الرغبة ، تترك خلفها همهمة الاسئلة  ، تصدع في علياء الفضاءات البعيدة ، تغرد في وحدة الكون  ، تتكئ على مرجعية التاريخ والجغرافيا وبنيتها الحداثية  ضمن النصوص الجيدة الحاملة للهم الانساني والذات الكاتبة.
الشعر ليس كغيره من النصوص الاخرى  تعتمد على السرد والمتن واللغة الشعرية  فحسب  ، لكنه يأتي  في خضم قراءات التعدد  ليفكك العتمة ، مانحا الضوء الى جمالية الاشياء يخرجها من الكتمان الى عالم اللقاءات مع الاحبة من جمهور الكلمة والبوح الساحر .
لا يزال الشعر يصنع جمهوره البسيط وقدره المحتوم ، ولا تزال الكلمات تردد على المسامع والمنابر ، يتناقلها الافراد والجماعات ، وتستهويهم الكلمات حين تغنى على أسماعهم فتطربها ، وتتعلق بها حواسهم ، الى ان يهيم اصحابها في غدو ورواح بحثا عن كاتب الكلمات وعن جديده ، وتقمص آثاره .
 ألم يقل الشاعر النمساوي راينر ماريا ريكله : «إذا بدتْ لك حياتُك اليوميّة فقيرةً ومُقْفرة، فلا تتَّهمْها، بل قُلْ: إنّني لمْ أعُدْ شاعراً بالقدْر الذي يُمَكِّنُني من اسْتدعاء الثَّروات والأشْياء النَّفيسة المَخْبوءة في أغْوار ألذات ».
القصيدة كمثل حبة انبتت مائة بيت .. طلعها البوح وبيتها من بهاء ،وتأتي اصحابها بملكة الشعر حين يحالفهم الحظ ، او تنوب عنهم الاقدار ، يتسارعون الى نجدة انفسهم بالموسيقى والأنغام العذبة ، في ثنائية تشبه العيون حين تذرف حبات من الدمع الخالصة لأصحابها دون زيف او تكلف او ايعاز .
في يومه العالمي سيظل الشعر يصنع افراحنا القادمة والمؤجلة ، يصدق حين يلج قصور العشق والحب ، يزعزع اوتارها ، فتنقلب الاوتاد كجميلات تتزين في لحظة المبايعة الاخيرة ، لا مفر امامهن الا الى سويداء القلب يسكن اليها دون تأشيرة ولا تذكرة ، هو الشعر يأتي كما الولادة والموت  لا يتكرر مرتين ..لا يتنكر لاهله...
 فكل عام وأرواحكم تسبح في البوح.