طباعة هذه الصفحة

كلمة العدد

الطبيعة تكره الفراغ

فضيلة دفوس
22 ماي 2018

بحسرة وألم شديدين، نقول أنّ إسرائيل وبعد سبعة عقود من نشأتها المشؤومة، حقّقت حلم مؤسّسيها الأوائل بالهيمنة الكاملة على فلسطين العربية، ولم تترك غير فتات متناثر من الأرض، أرادته أن يكون عبارة عن محتشدات تتكدّس بالفلسطينين الذين تمارس عليهم طقوس عنفها وإجرامها، دون أن يتحرّك العالم ساكنا، ثمّ كيف لهذا العالم أن ينتفض مندّدا بالمذابح المروّعة التي يرتكبها الصّهاينة ضدّ الشباب الفلسطيني الأعزل، وقد أصبح كلّه تحت رحمة الولايات المتحدة الأمريكية حامية ظهر إسرائيل منذ ١٩٤٨، ومن يمدّها دائما بالماء والصّابون لتغسل أيديها المخضّبة بدماء الأبرياء الذين لا ينشدون شيئا، غير استعادة حقّهم المسلوب في إقامة دولتهم المستقلّة وعاصمتها القدس.
في وضح النّهار، سطت إسرائيل على القدس الفلسطينية، وبجرّة قلم من رئيس أقوى دولة في العالم، رسّمتها عاصمتها الموعدوة، وهي ماضية إلى تجسيد صفقة القرن التي ستقضي نهائيا على الحلم الفلسطيني في إقامة دولته على الأراضي المحتلة سنة ١٩٦٧، وكلّ هذا أمام أنظار ومسمع الوطن العربي، الذي بدا مثيرا للشفقة، مهزوما ضعيفا، مكتفيا كعادته ببيانات التّنديد والشجب والاستنكار.
والواقع أن الوضع المزري الذي بلغه العرب، يجعل من بيانات التّنديد وخطابات الاستنكار، أعلى سقف يمكن أن يصله ردّ فعلهم، ثمّ إن ترامب، عندما قرّر كسر العرف الذي سار عليه من سبقوه إلى البيت الأبيض، ونقل السفارة الأمريكية إلى القدس، كان يدرك تمام الإدراك، بأن أحدا لن يقف في طريقه، غير الشباب المرابط على أرض فلسطين، وهذا بالنسبة إليه مقدور عليه، فالرّصاص سيكون بمرصاده، أما بخصوص البلدان العربية فهو يدرك جيّدا بأنّها أصبحت في حالة وهن شديدة.
ولن يكون بمقدورها مجرّد التفكير في تحرّك عسكري حتى وإن كان خاسرا كما حصل في ١٩٤٨ و١٩٦٧.
الوهن العربي شرّع أبواب الهزيمة في فلسطين، وجعل الملعب شاغرا أما لاعبين إقلميين، نراهم يرافعون عن قضيانا بدلا عنّا ويدافعون عنها، بنوايا قد لا تكون بريئة بالمرّة.
وإذا كان لأيّ أحد الحقّ في الدّفاع عن عدالة القضيّة الفلسطينية، فإنّني أرى بأن الأولى أن يكون العرب في خطّ الدفاع الأمامي، إذ لا يمكن أن يتركوا كل هذا الفراغ ليملأه آخرون ثم يأتوا ليندّدوا بتدخّلهم في شؤونهم.