طباعة هذه الصفحة

أعراجيات

تسلّــل الموتــــى

بقلم : نور الدين لعراجـــي
10 جويلية 2018

الموتى في مقبرة عين البنيان بالعاصمة يرقدون على أصوات الأمواج وهي ترتطم بالصخور العتيقة، تحاول غسلها من ذنوب النهار وطيش المنبوذين، وينهضون باكرا على زخات الندى وهي تتعرق شوقا على شرفات قبورهم، تلسع أجسادهم الخالية من غطاء ولا دثار
تتسلل قطرات الندى فجرا تعانق أرواحهم، يستيقظون في حالة من الشوق..يتسارعون إلى معانقتها قبل أن ينهض الأموات الحقيقيون من الدنيا؛ فيعكرون مزاج الخلوة بضجيجهم وهرؤاتهم. اختار القدر للموتى أرضية الصخرة الكبرى، وعندما يستيقظ معشر القوم من سباتهم الإبدي، تمتد رؤوسهم فترتفع قليلا نحو الاعلى، على جانب الصخر الايمن من الموقع.
موقع استراتيجي لنومتهم الأبدية، وفضلوا أن يكون البحر اسفل منهم، يفصل بينهم الطريق نحو الولي سيدي فرج غربا وغابة باينام شرقا حتى يتستى لهم رؤية القادمين نحومدينتهم، زائرين كانوا أو وافدين جدد؛ سقطت أوراق أعمارهم.
 في كل صباح أعبر هذا الطريق أتسلّل خفية أسوار الصخرة الكبرى،أنزوي عبر ممرات ملتوية وأزقة ضيقة تشبه نوازل الدشرة وهي تعلو شموخ اليابسة، في كل صباح أتسلل هذه الشعاب والسكون يخيم على جدران القرية المتسلقة لقوانين المدينة، الجميع يغرق في سبات عقيم، فأجد نفسي وجها لوجه مع سكان المدينة الصامدة، وهم ينخرطون حين مروري عبر أسوارها في صمت هيستيري، لا أرى أحدا منهم ولا نسمع لهم وكزا. وهم يسمعوننا عند كل همس.