طباعة هذه الصفحة

ينتشر بشكل مقلق في ظلّ غياب الضوابط القانونية

التسوّّل عبر مواقع التواصل الاجتماعي «بسيكوز» يؤرّق الجزائريين

معسكر: أم الخير

تتسم طبيعة المجتمع الجزائري بالتضامن والتعاطف في صورة مكتملة الأوجه تبرز من الزاوية المشرقة روابط اللحمة الوطنية المتينة التي لا تنفك مواقف التآزر الاجتماعي والإنساني تعزّزها وتزيدها قوة وصلابة.

لكن ما يضر بهذه اللحمة والمواقف الإنسانية هو التعاطي مع بعض الحالات بتعاطف مبالغ فيه، حيث تكون بعض الحالات الاجتماعية المؤثرة في مشاعر الجزائري مجردّ فخّ للإيقاع به والنصب عليه باستغلال عواطفه.
نشير هنا إلى ظاهرة التسوّل التي أخذت تتطور بشكل مقلق حتى صارت مهنة من لا مهنة له تدر أموالا طائلة على بعض الأشخاص الذين يحترفونها كتجارة سهلة ومربحة، لكن من يجرؤ على الخوض في نقاش حول تفاصيل ظاهرة اجتماعية يجرّمها القانون ويحميها الوازع الديني والضمير الإنساني.
 رغم ذلك كان من الواجب أن تحذر «الشعب» من مغبة الانجراف خلف التعاطف مع الظاهرة المستفحلة كثيرا في مجتمعنا من خلال ما تمّ رصده من حالات زائفة ووجهات نظر مختلفة لبعض المختصين في القانون والفاعلين في المجتمع من حركات جمعوية ومواطنين وقعوا ضحية النصب والاحتيال نتيجة ظاهرة «التسول الالكتروني».

التعاطي مع نداءات المساعدة على الأنترنيت بحيطة وحذر

كما للتطور التكنولوجي إيجابياته على تبسيط حياة الناس، له سلبياته وأثاره المغذية للظواهر  والآفات الاجتماعية التي تزداد تطورا بتطور التكنولوجيا. يعتبر التسوّل الالكتروني أحد إفرازات هذا التطور، تعرفه وسائط البحث المعلوماتية المتحركة، على أنه النسخة الالكترونية للتسول التقليدي الذي يكاد يختفي من الشوارع على الأقل بشوارع مدينة معسكر وبعض مدن الوطن، حيث كفت شبكات التسول عن الاستجداء التقليدي للمساعدة المالية وحوّلت نشاطها إلى مواقع التواصل الاجتماعي الأكثر تداولا بين الجزائريين لاسيما موقع الفايسبوك.
يوفر الموقع لمحترفي التسوّل ميزة الهوية المجهولة وإمكانية الاحتيال على ضحاياهم بسهولة كما يجنب النوع الآخر من المتسولين الخزي والعار، بل لدرجة صار البعض يتبنى إطلاق نداءات مستعجلة للمتسولين ويروّج لها عن حسن نية دون معرفة بطالب المساعدة أو تأكد من حالته، كما من أوجه الظاهرة المستفحلة بشدّة، أن يضع أصحاب المحلات «حصالات» أمام محلاتهم لجمع تبرعات المحسنين بغرض مساعدة شخص في حاجة إلى العلاج أو إجراء عملية جراحية في الخارج وهي حالات كثيرة رصدتها «الشعب»، يرجعها المواطن المتقدم للمساعدة إلى حالات العوز وقصور الخدمات العلاجية داخل الوطن، لكن ماذا لو كان الحال مجرّد فخّ للنصب على تعاطف المواطنين واستغلالهم ماديا ومعنويا.
كيف يرى القانون إلى جمع الأموال والتبرعات بطريقة أقل ما يمكن القول عنها أنها غير شرعية ولا تستند إلى معيار العقل والمنطق عدا جياشة المشاعر وتدفقها دون تحكم أمام بعض الحالات التي تبدو «انسانية».

أدوات قانونية غير فعالة لمكافحة ظاهرة التسوّل

 أسئلة كثيرة تطرح نفسها أجابت عنها المحامية بوسريج قادية في استطلاع «الشعب» للظاهرة، بالقول إن التسول مهما اختلفت أشكاله وطرقه ظاهرة تسيء إلى سمعة المجتمع قبل أن تسيء إلى ممارسه، فالتسوّل على حدّ قول الأستاذة بوسريج فعل نهى عنه الدين لما يصحبه من إذلال للشخص المسلم، أما من الجانب القانوني أوضحت متحدثة «الشعب» أن المشرع الجزائري لم يدع أي فرصة للمتسول للفرار من الحكم، مقابل ما يلقى من ضغوطات بعض المنظمات لإلغاء النصوص والمواد القانونية المجرمة لفعل التسوّل منها المادة  195 التي توضح جليا العقوبة المسلطة على القائم بالتسول.
وأضافت المحامية بوسريج في حديثها عن تطور ظاهرة التسول التقليدي إلى تسوّل الكتروني لا تحكمه أي ضوابط قانونية ولا يُرى إليه كجريمة الكترونية نتيجة عدة عوامل، أن القانون ينظر إلى التسوّل التقليدي كجنحة في المادة 195 من قانون العقوبات، لكن لا يوجد تطبيق فعلي لهذه المادة إلا باستثناء بعض الحالات النادرة التي يرى إليها بعين الرحمة والشفقة فتنال تخفيفا للعقوبة أو لا يسلط عليها أي عقاب.
 في حين لا يمكن حسب المحامية أن يحدّ القانون لوحده من ظاهرة التسول التقليدي مادام تطبيق المادة 195 يتمّ بسعي من النيابة العامة التي لها انشغالات قضائية أخرى غير ملاحقة المتسولين في الشوارع والأرصفة رغم وجود حالات عديدة لابد من النظر إليها بعين الاعتبار، خاصة في حال تمّ استغلال الأطفال في التسول أمام مختلف المخاطر التي تحدّق بهم، كل ذلك زيادة على غياب ثقافة الوعي بخطورة الظاهرة وغياب ثقافة التبليغ عن حالات تستدعي ذلك في ظلّ تغلب الجانب العاطفي في التعاطي مع ظاهرة التسوّل.

الجهل بالقانون قد يورّط المحسنين في مخالفات

اكدت قادية بوسريج في حديثها عن عدم قانونية جمع الأموال والتبرعات من طرف أصحاب المحلات أو جماعة من الأشخاص - لمساعدة شخص يُعتقد انه بحاجة لإجراء عملية جراحية أو علاج ما ـ مادام هؤلاء لا يملكون رخصة لجمع الأموال والتبرعات أو اعتماد لجمعية خيرية، مشيرة إلى عدة أخطاء ومخالفات قانونية يرتكبها التجار وأصحاب المحلات وحتى بعض الجمعيات الناشطة خارج المجال الخيري والاجتماعي لدى جمعها للتبرعات ـ ما دام لم يتضمن قانونها الأساسي ذلك ـ
وبناءً على كل ذلك قالت الأستاذة بوسريج أنه لا بد من البحث عن آليات تساعد على تحويل النصوص القانونية إلى أفعال ملموسة تُلاحظ نتائجها على المجتمع من حيث التحكم في الظاهرة، إلى جانب بعث ثقافة التبليغ عن التسوّل عوض دعمها وتشجيعها، مشيرة إلى ضرورة التعامل مع تطور ظاهرة التسول التقليدي الكترونيا بحذر مع وضع قوانين فعالة للتحكم فيها، في ظلّ عدم تعريف قانون العقوبات الجزائري لمختلف جرائم الانترنيت،
واكتفائه بتجريم بعض الأفعال تحت مسمى «الجرائم الماسة بنظام المعالجة الآلية للمعطيات «متطرقا بصفة عامة إلى الجريمة الألكترونية دون الخوض في تفاصيل أكثر عن بعض ملامحها وتفاصيلها ـ على غرار الاحتيال الالكتروني بممارسة التسوّل على شبكة الانترنيت.

محتالون يستغلون تعاطف الجزائريين و تضامنهم

قبل حوالي 4 سنوات، قدم شاب في الثلاثين من العمر «مكتب الشعب» بمعسكر، حاملا قصاصة لجريدة ورقية وصورة لطفلة مصابة بالسرطان قائلا إنه قادم من أحد الولايات المجاورة ويحاول التنقل للعاصمة بهدف إجراء عملية جراحية لابنته. هي وضعية من عشرات الحالات التي تتردّد على المؤسسات الاعلامية لإطلاق نداءات انسانية، غير أن الشاب محلّ الموضوع رفض إطلاق نداء مساعدة على الجريدة ملحا الحصول على مبلغ نقدي يكفيه للتنقل إلى العاصمة.
وحدّد الشاب مبلغ 2000 دج، إنتهت يومها قصة هذا الشاب الذي كاد أن يسلبني مصروف يومي بطريقة فنية، إلى أن عاد بعد سنوات وبيده نفس قصاصة الجريدة الورقية ونفس الصورة وبنفس الطريقة طالبا نفس المبلغ.
 هكذا هي بعض أشكال التسول الاحتيال والتسول التقليدي التي تستغل فيها التركيبة البشرية للإنسان الجزائري المعروف بتعاطفه وتضامنه، لكنها ظاهرة تناقصت مع ظهور وسائل التواصل الاجتماعي مقارنة مع بعض أشكال الظاهرة التي يحترف ممارسها النشاط على الأرصفة والشوارع وتكاد تختفي - و إن كان ذلك يدعو للسرور ـ إلا أن هذا الاختفاء لا يعني الإكتفاء ولا يعكس تطور المستوى المعيشي إن كان المتسول حقا في حاجة إلى المساعدة، لكنه يعني إلى حدّ ما تطور الظاهرة وتحوّلها إلى الألكتروني مثلما يكشف النقاب عنه من سالناهم في الموضوع بمعسكر.
* س.بن علي 42 أب لطفل في السنتين من العمر مصاب بالتهاب الكبد الفيروسي المزمن قال لـ»الشعب» أنه كان في حاجة ماسة إلى مبلغ مالي ضخم لإجراء عملية زراعة الكبد خارج الوطن لابنه، وعدم توفر المبلغ دفعه للاستجداء بمواقع التواصل الاجتماعي علّه يجد من يتكفل بعلاج ابنه الوحيد خارج الوطن.
أضاف المتحدث لـ»الشعب» في شهادة حيّة أنه تحصل على نصف المبلغ من أقاربه ومحسنين لكنه سرعان ما عثر على صورة لابنه على أحد صفحات الموقع الاجتماعي لسيدة من ولايات شرق الوطن وقد عمدت إلى وضع رقم هاتفها  بريدها على نداء إنساني تطلب المساعدة لابن المتحدث، ولم يتوصل س.بن علي إلى هوية المحتالة على قلوب الجزائريين ومشاعرهم باستغلال الوضع الصحي لابنه ولم يحاول حتى التبليغ عن تعرضه لنوع من الاحتيال، واكتفى بتقبل الصدمة التي أصابته والاعتقاد أن صاحبة النداء قد جمعت ما جمعت من أموال باستغلال مرض طفل لا تعرف لا من قريب ولا من بعيد.
 
آلاف المحتالين يتربصون بك على مواقع التواصل الاجتماعي

الأمر  هذا يجعلنا نتأكد من خطورة ظاهرة التسوّل الالكتروني ويدفعنا للتحذير منها، باعتبارها وسيلة للاحتيال وجني مبالغ مالية تفوق قيمتها المبالغ التي تجنى من نشاط التسوّل التقليدي أمام المساجد وعلى الأرصفة.
مصطفى أحد من وقع عليه استطلاع «الشعب» لمعرفة وجهة نظره قال لنا، أن ظاهرة التسوّل معروفة منذ القدم سواء بداعي الحاجة أو لعدم وجود أي داع لها، فهناك من المتسولين من يمارس نشاط التسول كمهنة تدر له مبالغ طائلة لا يمكن مقارنتها بما يتقاضه أي موظف أو إطار بمرتب شهري جيد.
 أفصح مصطفى عن هوية أحد المتسولات التي كانت تقصد محله أسبوعيا في وقت ما لتغيير مبالغ كبيرة من العملة النقدية المعدنية إلى الورقية قبل أن يكتشف طبيعة نشاطها، وأردف مصطفى يقول إن العملة النقدية المعدنية لم تعد متوفرة كثيرا في الأسواق والمحلات لسبب ما يعتقد أنه يرجع للظاهرة ـ موضحا ـ أنه يمكن أن يرجع ذلك لتغيير نشاط المتسولين حيث يعتبرهم ممون أساسي للسوق بالعملة النقدية المعدنية بعد البنوك والمؤسسات المصرفية الرسمية، الأمر الذي يجعلنا نغير من تصورنا للظاهرة من مفهومها الاجتماعي والسوسيولوجي إلى ظاهرة تثقل كاهل المجتمع وتهدّد قوامه الاقتصادي بذكر الكتلة المالية من عائدات التسول الموجودة خارج أطر التعاملات النقدية التجارية والمصرفية والتي تطرح أحد أشكال التهرب الضريبي إن اعتبرت نتاج نشاط مهني غير شرعي، من وجهة نظر أخرى..