طباعة هذه الصفحة

«الشعب» ترصد العملية التضامنية بعاصمة الأوراس

حملـــة شتـــاء دافـــئ للتكفـــل بالعائـــلات المشـــرّدة والمعـــوّزة

باتنة: حمزة لموشي

 وجبات ساخنة وألبسة وأغطية لمقاومة ليالي موسم البرد القارس

يتميز شتاء باتنة بالقسوة والبرودة الشديدة، التي تفرض واقعا صعبا ومعاناة لا تنتهي في الطرقات خاصة خلال الفترات الليلية، حيث يتوزع المتشردون على حوافها وتواجه العائلات الفقيرة والمعوزة صعوبة كبيرة في التزود بمستلزمات الحياة البسيطة الآدمية سيما ما تعلق بالتدفئة والتغذية. التفاصيل ترصدها  «الشعب» في هذا الاستطلاع بعاصمة الاوراس.
جاءت حملة «شتاء دافئ»، التي أطلقتها جمعية « بانوراما للسينما والثقافة « عين التوتة بالتنسيق مع الخلية الجوارية للتضامن لتخفف قليلا من معاناة هذه الفئة التي كثيرا ما تترك على الهامش يطالها النسيان. تواجه صعوبة الحياة بمفردها بعيدا عن أية علاقة مودة وتضامن ودفء انساني يفرضه مثل هذا الوضع وتطالب به الظروف القاسية.
يتمثل دور الخلية المحلية التابعة لوكالة التنمية الاجتماعية الفرع الجهوي باتنة، في مكافحة بؤر الفقر ومرافقة الفئات الاجتماعية الهشة للاستفادة من مختلف برامج التشغيل والحماية الاجتماعية، بالإضافة الى النشاطات الإنسانية، وكذا انجاز التحقيقات الاجتماعية حول الفقر والآفات.
ممثل جمعية بانوراما للسينما والثقافة عمار محمدي، الرائد في النشاطات الجمعوية، لخص هذا الهدف في تصريح لـ «الشعب»، مذكرا بالمبادرة المنطلقة موسم الشتاء، قائلا في هذا المقام:« هدف المبادرة توزيع الوجبات الغذائية والأغطية والأفرشة والملابس على الأشخاص بدون مأوى، والتكفل بالمحتاجين والمتضررين من قساوة البرد.»

الخلية الجوارية للتضامن بعين التوتة نموذج يستحق التقليد

اضاف محمدي في سرده أبعاد وغايات المبادرة بالقول لنا: «تستهدف، هذه العملية التضامنية الإنسانية والاجتماعية، تقديم المساعدة لفائدة الأشخاص بدون مأوى الذين يعانون من الهشاشة والتي خارت قواهم الجسدية جراء انعكاسات موجة البرد التي تعرفها المنطقة، وخاصة منهم الأطفال والمسنين المتشردين.
 أكد محمدي أنه سبق للجمعية أن عملت على توزيع مواد غذائية أساسية، إضافة إلى أغطية وملابس شتوية، على المحتاجين من سكان المناطق المتضررة من قساوة البرد عبر إقليم الولاية.»
بدوره عبد الحكيم بوجلال، المساعد الإجتماعي للخلية الجوارية للتضامن، أكد حرصه على المساهمة في حملة «شتاء دافئ»، بتوفير وجبات ساخنة، أفرشة وأغطية لصالح المشردين والعائلات المعوزة، على غرار التكفل طيلة فصل الشتاء بـ 3 متشردين تمت تسوية وضعيتهم نهائيا بإرجاع اثنين منهم إلى عائلاتهما والثالث تم وضعه بدار الرحمة بكوندورسي، ببلدية وادي الشعبة.
«الشعب»، رافقت في جولة ميدانية ليلية جمعية بانوراما والخلية الجوارية لتوزيع الوجبات الساخنة، على أكثر من 35 عائلة و متشردين «يوميا»، إضافة إلى توزيع ملابس على أكثر من 100 شخص، على مدار 3 أشهر كاملة، بالتنسيق مع عدة مطاعم خاصة بالمدينة لم يبخل أصحابها في ضمان تموين العملية، التي واجهت مشكلة غياب سيارة خدمة للقيام بمهامها على أكمل وجه، بالتنسيق مع الجمعية الدينية لمسجد العتيق وجمعية كافل اليتيم مكتب عين التوتة، وجمعية بانوراما برئاسة السيدة صورية محمدي، التي قادت مبادرة شتاء دافئ للمتشردين ووجبة ساخنة للعائلات المعوزة.
تعمل الخلية بالتنسيق مع شركاء المجتمع المدني على التكفل بالحالات التي تصادفها أو تصلها عبر نداءات استغاثة، بحسب ما أكده بوجلال خاصة في العطل ونهاية الأسبوع أو الفترات الليلية التي يتم فيها الاتصال به من اجل التكفل بحالة إنسانية أو إيواء عائلة متشردة أو منح مدفأة أو أدوية معينة دون الحديث عن النشاط العادي المسطر على غرار كسوة العيد التي يتم فيها دائما ضمان الكسوة لأكثر من 360 طفل معوز.
يضاف إلى هذه المهام  تقديم  وجبات الإفطار في الشهر الفضيل للعائلات المعوزة ،إضافة للكراسي المتحركة، الأغطية والأفرشة وحتى الأدوية بالتنسيق مع المحسنين وبعض الصيادلة الخواص، حيث تبرعت إحدى الصيدليات بحصة أدوية بـ 10 ملايين سنتيم، حيث تعتبر عين التوتة الوحيدة من أصل 9 خلايا بالولاية التي تتوفر على صيدلية بها كل الأدوية وكذا كراسي متحركة وأسّرة طبية وغيرها من المستلزمات الطبية الأخرى.

35 عائلة تحت خط الفقر تنتظر وجبات ساخنة كل ليلة

على هذا الطريق تعمل الحمعية في تنفيذ «حملة شتاء دافئ» التي رافقنها في كل مكان. حيث كانت البداية  بحي المعلمين مع عمي حواس وهو شيخ يقطن بمفرده، وجدناه ينتظر وجبته الغذائية مثله مثل عمي الطيب الذي تخلت عنه عائلته ليتكفل به احد أصحاب المطاعم إلى الأبد بعد تدخل الخلية  خلال جولتنا لاحظنا أن العائلات المعنية بالوجبات الساخنة تعيش أوضاعا مزرية وصعبة بدت واضحة من خلال سكناتها الهشة تختلف بين عائلات ليس لها كفيل وعائلة أرامل وأخرى رب بيتها مسن أو كفيف أو يعاني من عاهة تحول دون ممارسته لنشاط يقيه الحاجة ويكفل عائلته.
الوجهة بعدها كانت إلى حي التلال، أين وجدنا إحدى السيدات تنتظر نصيبها من الوجبة الغذائية الساخنة، كما عودتها عليه الجمعية، حيث استقبلت  محمدي وعلامات الفرح والأمل والألم بادية على محياها شاكرة له منحها «الدفء» خلال هذا الشتاء القارس.
انتقلنا بعدها إلى أحياء الشافات «المظلمة» و«الفوضوية»، حيث تم توزيع عدة وجبات على عائلات مختلفة بينها أرامل، مطلقات، شيوخ وعجزة...إلخ ووجدناهم جميعا ينتظرون في نفس التوقيت الذي عودتهم عليه بانوراما والخلية الجوارية.
مشاهد مؤلمة عاشتها»الشعب»، أكد بشأنها بوجلال أنها كثيرة وتتكرر بشكل دوري، حتم على المهتمين بالعمل التضامني، التفكير في طرق جديدة للتكفل بالمعوزين على غرار بناء 3 سكنات بحي عين فوليس بالتنسيق مع الجمعية الدينية لحي العتيق والمحسنين دون الحديث عن تبرع محسن باقتناء قطعة ارض لأرملة لها 3 أولاد وبناء سكن أخر بحي النصر وغيرها من المشاريع السكنية التي تعتبر توجه جديد في نشاط الخلية بالتنسيق مع المحسنين.

عمي الشريف يعود لعائلته بعد تشرّد 23 سنة

 يستذكر محدثنا حالة عمي الشريف، البالغ من العمر 73، الذي يعاني من الزهايمر، صادفه قبل سنوات ببلدية سقانة، وثبت بعد التحقيق أنه متشرد منذ 23 سنة ، أنجز له ملف بالتنسيق مع مصالح الدرك والبلدية، أودعه بوجلال لدى مديريتي النشاط الإجتماعي لباتنة وسوق أهراس، بغية إيوائه، حيث تكفل به مركز سدراتة بسوق أهراس.
يؤكد بوجلال انه في إحدى المرات وخلال تواجده بإذاعة باتنة المحلية للمشاركة في النشاط التضامني تطرق بوجلال بالتفصيل لحالة عمي الشريف ومن صدف الحياة أنه من بين المستمعين مواطن أكد انه يبحث عن والده الذي فقده منذ سنة 1972، من منطقة لقرارم بولاية ميلة، و في اليوم الموالي انتقل ذلك المواطن إلى مركز سدراته والتقى المديرة وأطلعها على الموضوع المطروح بالاذاعة المحلية وأكد لها أن والده خرج في سنة 1972 لاقتناء دواء ولم يعد، بدورها المديرة أكدت استقبالها منذ مدة لشيخ في السبعين يعاني من الزهايمر.
 طلبت منه المديرة إحضار كبار عرش عائلته ووالدته والذين لم يهتموا في البداية لطلب الابن بحجة السنوات الطويلة التي مرت على اختفاء الشيخ، وبعد استقبالهم من طرف المديرة طلبت منهم منحها علامات واضحة وبينة في جسد الشيخ أو أي علامة توحي بأنه الشخص الذي يبحثون عنه، منذ 23 سنة، لتكشف زوجته عن تواجد وشم في كتفه وإعاقة بسيطة بيده اليسرى، وهي العلامات الموجودة فعلا بجسد عمي الشريف الذي عرفته زوجته وكبار عرشه من أقاربه رغم تعب السنون وتغير ملامحه بفعل التشرد والفقر، ليعود إلى أحضان عائلته وذويه.

مجهودات بانوراما والجمعيات الدينية تستحق التنويه

 ثمن بوجلال مجهودات جمعية بانوراما وكافل اليتيم والجمعيات الدينية لمسجدي النصر والعتيق، والتي تبذل مجهودات جبارة في العمل الخيري والنشاط الإنساني بمدينة عين التوتة، وتحدث عن حالة إحدى العائلات القاطنة بني فضالة والتي تقيم بمنزل هش يعود للفترة الاستعمارية أم وثلاث أولاد تم التكفل بهم حيث يتم أسبوعيا تزويدهم بالمواد الغذائية الواسعة الاستهلاك والمازوت للتدفئة والألبسة مع رفع تقرير مفصل حول وضعيتها، تعهدت بشأنه مصالح دائرة عين التوتة بأخذها بعين الاعتبار في الحصة السكنية القادمة.
يضاف لما سبق التكفل ببعض الحالات الطبية المستعجلة سواء بالخلية التي تتوفر على طبيبة عامة أو من خلال التوجه لبعض العيادات الخاصة، قصد التدخل لتخفيف بعض الأعباء المادية للعملية التي يتكفل بها بعض المحسنين، ونظرا للصدى الطيب الذي تقوم به هذه الخلية رفقة شركائها في التكفل بالعائلات الفقيرة والمعوزة و المرضى، سجل محدثنا توافدا كبيرا لعدة عائلات من مختلف ولايات الوطن إلى دائرة عين التوتة، بغية انتشالها من الفقر ومساعدتها اجتماعيا بالاستقرار في المدينة.
للإشارة، لا تقتصر أعمال جمعية بانوراما والخلية الجوارية لعين التوتة على تقديم الوجبات الساخنة فقط، بل تقوم بخرجات ميدانية إلى دور العجزة والطفولة المسعفة تقدم لهم الهدايا، إضافة إلى زيارة مختلف المستشفيات خاصة في الأعياد والمناسبات، وكذا زيارة المناطق النائية وتقوم بتوزيع الألبسة المستعملة على الفقراء والمحتاجين.