طباعة هذه الصفحة

المستشار في التراث الثقافي عمار حاشي:

أشـغال الـترمـيـم تـتــطـلـب تـنـســيـقا وتحديـد المـسـؤولـيــات

جمال أوكيلي

التساؤلات المشروعة الصادرة عن الأستاذ عمر حاشي مستشار في التراث الثقافي المطروحة في الحديث الثري الذي أجريناه معه بمناسبة اليوم الوطني للقصبة تبحث عن إجابات شافية، من قبل الجهات المسؤولة، في كل ذكرى سنوية تحلّ علينا إلا وتعود من جديد فارضة نفسها لا لشيء سوى لكونها بدون أي ردود مقنعة في هذا الشأن، إذ ما زال هذا الصرح يستغيث من أجل التكفل به تكفلا حقيقيا بعيدا عن الترقيع وربح الوقت.
ما يحزّ في نفسية هذا الباحث هذا التبعثر في المجهود وغياب التنسيق المحكم بين المؤسسات المهتمة بهذا الفضاء العمراني، كل واحد يعمل على حدى، مما أدى إلى صعوبة إيجاد آلية ينضوي في إطارها كل المشتغلين في هذا الحقل ناهيك على توفر اليد العاملة المؤهلة واستعمال المواد الأصلية في الترميم.
الاستاذ حاشي ليس من رواة أساطير القصبة أو من مجترى القصص الخالية في الأزمنة الغابرة وإنما رجل مثقف يتكلّم وفق منهجية واضحة لا يشوبها أي غموض عندما يتناول ما يسميها بـ»المدينة العتيقة».
يعرفها زاوية بزاوية ومطلع على خفاياها وخباياها إطلاعا دقيقا ومفصلا، لا تخفى عنه أي شاردة عندما يتعلّق الأمر خاصة بإقامة العائلات ذات الإمتدادات في هذا المكان.
ويرى حاشي بأن عملية الترميم التي تشهدها القصبة غير مرتبطة بآجال محدّدة مادام البنايات تحتاج فعلا إعادتها إلى الشكل المطلوب في صورتها الأولى، وأمام هذا الواقع فإن أكبر إشكال يعترض هذا المسعى هو وجود عائلات بداخل الدويرات، كيف العمل في هذه الحالة يا ترى؟ وهل بالإمكان القيام بذلك؟.
لا يوجد أي حل هنا ما عدا إجلاء العائلات بصفة نهائية، وهذا الانشغال ما فتئ يقلق من يشرف على هذا الجانب بخصوص الملاك أو العائلات على حدّ سواء وفي حالة المغادرة بعد الاستفادة من سكن كيف سيكون مصير تلك البنايات ولمن تعود؟.
وبناءً على هذه الأوضاع التي يصطدم بها المكلفون بهذا العمل، فإن أولى الملاحظات الأساسية التي نخرج بها هي أن هذه الآليات غير مضبوطة، أفرزت وضعا معقدا للغاية، في كل مرة ترحل عائلات تستخلف بأخرى وهذا فعلا ما أضرّ كثيرا بكل الخيارات المتعبة في مسار الترميم.
وفي هذا الشأن كشف حاشي، أن هناك ٣ أنواع من المنازل بالقصبة، الأصلية، القديمة محوّرة داخليا والقائمة على النمط الأوروبي، وهكذا عمد المحتل على إدخال تغييرات للواجهة المقابلة للقصبة، وهذا بإضفاء الطابع الأوروبي من ساحة الشهداء إلى احمد بوزرينة، زيادة على ستار الغلق بالعمارات عند مدخل المدينة العتيقية حتى لا يظهر لها أي أثر مبديا استغرابه مما قام به هؤلاء لم يحدث لا في تونس ولا المغرب.
وتماديا في هذا الفعل كان مشروع التهديم في سنة 1934 النمط الوسيط، وعمليا فإن التركيبة التبوغرافية مفتوحة على الواجهة البحرية، والدار كانت موزعة على الفضاءات التالية: السفلاني، الفوقاني، والسطع.. ما تمّ بناؤه عبارة عن حاجز منع تلك الإطلالة على البحر، وهكذا حل النمط الأوروبي محل النمط العمراني الأصيل.
وتبعا لذلك، فإن المهارة في الترميم مطلوبة في هذا الإطار وكم من مرة تثار مسألة التأهيل في هذا الاختصاص عن الانطلاق في العمل الحسّاس لم يكن الأمر على هذا المنوال فيما يتعلق بالمواد المستعملة حاليا هناك توجه للتحكم أكثر في هذه العملية وهذا بالعودة إلى استعمال مادتي الجير والتراب ولابد من القول هنا، بأنه ليس كل مؤسسة تقوم بالترميم مؤهلة لهذا العمل المهني.

من صناع التصنيف

لذلك، فإن الأولوية يجب أن تمنح للتكوين في هذا المجال، وبالأخص هنا المنازل القديمة، لأن السؤال الذي يتبادر إلى الذهن، من هذه الجهة المسؤولة عن عملية الترميم بالقصبة، في غياب الحصول على الإجابة، فإنه يسجل فقدان التنسيق بين كل المتدخلين المكلفين بهذه المهام.. هذا من جهة ومن جهة ثانية، فإن هذه الأعمال يجب أن تبنى على دراية ومعرفة لتاريخ هذه المنطقة.
والأدهى والأمر في كل ما جرى هو أن بعد هدم «زوج عيون» بنيت منازل على شكل فيلات، وهذا بسيدي هلال ومثل هذا التصميم ليس له علاقة بعمران المدينة العتيقة، زيادة على أن هناك شطر شاغرا.. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحدّ بل أن أبدينا معارضتنا الشديدة لتشييد عمارات بـ 8 طوابق في نفس الحي في أواخر الثمانينات، كما رفضنا رفضا قاطعا شقّ ممر وسط القصبة، وفي حالة إن تمّ الموافقة على هذا المشروع، فإن العديد من الدويرات ستتعرض للهدم، مما يسبب في كارثة أخرى على غرار ما هو واقع في الوقت الراهن.
واقتراح حاشي الشروع في فتح ملف مسح الأراضي على هذا النطاق كي يتسنى أداء عمل على أسس سليمة، بعيدا عن الارتجالية والعفوية المضرة حقا بمثل هذه الأشغال ذات الحذر الكبير في القيام بها وتنفيذها على الواقع..
وهذه رسالة واضحة المعالم، في أن يتمّ الخوض في أعماق الأرشيف وهو المصدر الوحيد لمعرفة خصوصيات الجهة المراد دراستها ويكون المشروع قائم على نظرة علمية في أبعادها وآفاقها وكل قرار يتخذ في هذا الشأن يجب أن يعتمّد على رؤية واضحة.. من ناحيتي الديمومة والتطبيق.. وبالأخص المتابعة المستمرة والصارمة في آن واحد.
والتعليقات الصادرة اليوم من هناك وهناك إنما تندرج في هذا الإطار أي الانطباع السائد هو أن الأشغال لا تسير بالشكل المطلوب، كما أن هناك قراءات أخرى في هذا الشأن تجنح دائما إلى السلبية، مما أبعد التقارب في وجهات النظر ويعزو هؤلاء ما يحدث إلى انعدام المراقبة من قبل الجهات المسؤولة. وفي هذا المضمار فقد ذهب البعض إلى إدخال تغييرات جذرية على الشكل الأصلي للدويرات.
واستبدال الثوابت الأصلية من الشواهد في الدار بأخرى مصطنّعة وهذا ما وقع مع النوافذ والأبواب وغيرها ووصل الأمر بالبعض، إلى وضع مادة الألمنيوم كديكور وهذا ما يتنافى مع الحرص الذي يبديه المهتمون بهذا الجانب، كل هذه التعديلات الممنوعة، لا تجد من يردعها أو يعاقب من تجرأ على فعلها دون استشارة الجهة المخولة لها بحماية هذا الإرث أو العودة إلى المرجعية القانونية الجديرة بأن تكون بالمرصاد لكل المحاولات الرامية إلى إحداث تغييرات مشوّهة لما هو موجود.
وهذا الجانب أثّر كثيرا في الباحث عمر حاشي، الذي أعرب عن أسفه الشديد لما آل إليه الوضع بعد رحلة ماراطونية، بحثا عن قرار التصنيف الذي شارك فيه وكان من صانعيه الأوائل الذين غادروا إلى تونس في اجتماع حاسم لـ «اليونسكو» رفقة أعضاء من «أصدقاء القصبة» وإطارين من وزارة الثقافة ومباشرة طار الوفد إلى «سانطافي» وفي هذه المدنية تمّ تصنيف القصبة في ترتيب التراث العالمي، وهذا سنة بعد التصنيف كموقع تاريخي في 24 نوفمبر 1991، ليسجّل بصفة نهائية في نوفمبر 1992.. وهكذا يدخل هذا المعلم التاريخي من بابه الواسع.

أرقام عن المدينة العتيقة

أول إحصاء للتراث العمراني بالقصبة يعود إلى 1980 بدرجه الخبراء ضمن كل الأعمال التي ينجزونها في هذا الشأن، والمتعلّقة بالدراسات أو البحوث وغيرها من النشاطات الأخرى ذات الطابع الإعلامي لاطلاع الرأي العام والمتتبعين على وضعية هذا الفضاء الحضاري والثقافي.
- وفي هذا الإطار تمّ الكشف عن وجود 1700 بناية منها 1200 ذات الطابع التقليدي.
- 90 ٪ من البنايات تابعة للخواص و10 ٪ لديوان الترقية ومصلحة العقار، والحبوس.
- 493 بناية مهدّدة بالسقوط بنسبة 33 ٪
- 306 بناية في حالة رديئة بنسبة 20٪
- 403 بناية في وضعية معتدلة بنسبة 27٪
- 298 بناية جيدة بنسبة 20٪
- خلال السنتين الماضيتين تمّ إحصاء 628 بناية هشّة سمحت بإعادة إسكان 30 ألف ساكن.

الإجراءات العملية المقترحة

- الإسراع في رفع النفايات وتنظيف المحيط.
- إزالة الحجارة والأتربة المعرقلة للممرات الأزقة.
- منع المالكين من المساس بالشكل العام الأصلي للبناية.
- القيام بمراقبة صارمة لرخص البناء أو التهديم.
- حماية المنازل من التدهور والأولوية تمنح للمقيمين فيها.
- ترميم المستويات العليا للأسطح.
- إستعمال الحصى في الجدران إصلاح الجهات المهشّمة.
- توفير منافذ على مستوى الأرضيات والفراغات الناجمة عن التهديم.