طباعة هذه الصفحة

«الشعب» تركز على تفاقم الظاهرة وتستطلع آراء المختصــين

آثار الحجر النفسية والاجتماعية سبب العنف الأسري

استطلاع: فتيحة كلواز

 البيـوت حلبــةٌ يتواجـه فيها أزواج وأبنـاء

أبان الحجر الصحي المستمر منذ مارس عن تنام كبير لظاهرة العنف الأسري حيث أماطت ساعاته الطويلة اللثام عن علاقات أسرية مترهلة لغتها الوحيدة عنف معنوي، لفظي أو جسدي، يكون غالبا الأبناء والزوجة أهم ضحاياه، بعد أن وجد أفراد الأسرة الواحدة أنفسهم مجبرين على البقاء في المنزل لفترات طويلة، تحولت فيها البيوت إلى حلبة يتواجه فيها أزواج وأبناء، بسبب «صراع» وعنف جسدي يصل أحيانا إلى القتل.
«الشعب» طرحت القضية على مختصين لمعرفة أسباب فقدان الأسرة لعناصر التواصل والتماسك، وسألتهم أيضا عن حلول تساعد على لململة علاقات نفسية واجتماعية لأفراد يتشاركون حياة واحدة..

شايعة جعفري: شكاوى كثيرة من نساء معنّفات

قالت رئيسة المرصد الجزائري للمرأة، عضو المجموعة الإقليمية للأمم المتحدة شايعة جعفري في اتصال مع «الشعب»، إن لجنة المرأة بهيئة الأمم المتحدة أشارت في بيان لها إلى تنام وارتفاع كبير للعنف المنزلي ضد المرأة، وطالبت بإطلاق حملات تحسيسية لتوعية المواطنين للحد من تنامي هذه الظاهرة خاصة في فترة الحجر الصحي وسط تفشي فيروس كورونا المستجد، مؤكدة أنها ظاهرة عالمية دُق بسببها ناقوس الخطر على المستوى العالمي خوفا من استفحالها.
وكشفت المتحدثة أن الجزائر وعلى غرار الدول التي تعيش ظروفا استثنائية بسبب الجائحة عرفت هي كذلك ارتفاعا في عدد حالات التعنيف المنزلي ضد المرأة حيث تلقى المرصد شكاوى كثيرة من نساء معنّفات.
وربطت شايعة جعفري تنامي التعنيف المنزلي ضد المرأة، بأسباب منها النفسية والاجتماعية والاقتصادية، فالضغط النفسي الذي يعيشه المواطن بسبب تفشي الجائحة والتراكمات والمكبوتات النفسية حوّل المرأة إلى وسيلة يستعملها للتنفيس عن ضغوط يتعرض لها أو يعانيها، خاصة وأن العائلة الجزائرية لم تتعود بقاء أفرادها في المنزل لفترة طويلة، فبعد أن كان الأب والأم يخرجان إلى العمل اضطرا للبقاء في المنزل بسبب الإجراءات الوقائية والتدابير الاحترازية، ما جعل الرجل زوجا كان أو أبا أو أخا يهتم بالأشياء الصغيرة أو التافهة وهو وراء الكثير من حالات العنف المنزلي، بل أصبح الأزواج يعيشون فترة تعارف جديدة ببعضهما البعض، ما خلق الكثير من التوتر النفسي.
وتطرقت المختصة إلى الظروف الاجتماعية، حيث وجد الكثير من المواطنين أنفسهم بلا عمل خاصة أولئك الذين يمارسون التجارة الموسمية في السوق الموازية أو أولئك الذين يعملون عند خواص، فبقاؤهم دون دخل يوفر لهم لقمة العيش حولهم إلى كتلة من الضغوطات النفسية تكون المرأة غالبا متنفسها الوحيد وأهم وسيلة للتخفيف من حدة آثار الظروف الصعبة التي يعيشونها.
وما زاد الطين بله -حسب شايعة جعفري- عجز المرأة عن تقديم شكوى لدى المصالح المختصة في الظروف الحالية، حيث تفضل التكتم أو السكوت عن العنف الممارس ضدها سواء كان من زوج أو أب أو أخ، خاصة وأن الموروث الاجتماعي من أعراف وتقاليد لا تسمح لها بتقديم شكوى ضدهم لذلك تبقي معاناتها في صمت رغم الترسانة القانونية الموجودة لحمايتها من أي نوع من أنواع العنف الممارس ضدها.
وأكدت جعفري، أن فترة الحجر الصحي، التي أقرتها السلطات بعد تفشي فيروس كورونا كانت سببا في تحول العنف النفسي واللفظي، الذي كان ممارسا من قبل ضد المرأة إلى عنف جسدي ما جعلها عرضة له أكثر من السابق، فالملاحظ أن الظروف الصعبة التي يعيشها المجتمع غيرت نوعية العنف من البسيط إلى الجريمة.
وقالت المتحدثة إن المجتمع اليوم بحاجة إلى رفع شعار «رفقا بالقوارير» للحد من تنامي ظاهرة العنف المنزلي ضد المرأة التي حولها الوباء على المستوى العالمي إلى وسيلة فعالة للتخفيف من الضغط النفسي والاجتماعي الذي تسبب فيه الحجر الصحي الذي أقرته الكثير من الدول التي عرفت تفشي الوباء، مؤكدة في الوقت نفسه على إشراك الإعلام كطرف مهم في الحملات التحسيسية للحد من التنامي المخيف للظاهرة.

 حميدة خيرات: ارتفاع ملحوظ ومرعب

 أكدت المديرة التنفيذية لشبكة «ندى» حميدة خيرات في اتصال مع «الشعب»، أن الجزائر عرفت ارتفاعا ملحوظا ومرعبا لظاهرة العنف المنزلي ضد المرأة والأطفال من طرف الزوج أو الأب منذ إقرار الحجر الصحي في مارس الماضي، حيث تلقت العديد من الشكاوى من طرف نساء وأطفال تعرضوا إلى عنف جسدي في هذه الفترة وصل في بعض الأحيان إلى استعمال آلات حادة، مرجعة الظاهرة إلى الضغط النفسي والاجتماعي الذي يعيشه المواطن بسبب التوقف عن العمل.
وقالت إن بقاء الأزواج في المنزل لفترة طويلة جعلهما يتعرفان على بعضهما عن قرب ما خلق توترا وقلقا كبيرا بينهما خاصة وأن الفضاءات العامة والمساجد مغلقة، الأمر الذي حوّل الوسط العائلي إلى حلبة صراع، زاده تعنت الطرفين حدة ما أدى إلى تطور الضغط النفسي إلى عنف جسدي وصل في بعض الأحيان إلى القتل أو التصفية الجسدية.
وفي حديثها عن بعض الحالات التي تعاملت معها شبكة «ندى»، قالت إن هناك حالة من قسنطينة لطفلة تعرضت للعنف الجسدي من طرف والدتها، حيث قامت والدتها بربط يديها إلى الخلف وإدخال رأسها في المرحاض لتقوم في هذه الأثناء بتهديدها بإدخال رأسها في الوعاء ليأكلها «الغول»، فقط لردعها عن طلب زيارة والدها لها.
أما الحالة الثانية فهي لسيدة اتصلت بشبكة «ندى» لطلب استشارة نفسية بعد تعرضها للعنف من زوجها النجار الذي فقد عمله بسبب غلق محله بعد ممارسة نشاطه التجاري خارج الوقت المسموح به، حيث ضرب زوجته بقطعة خشب سميكة أمام أبنائها الذين تدخلوا لمنعه من ضربها، بل هددوه إن لم يتوقف عن تعنيف والدتهم فستكون العواقب وخيمة.
والحالة الثالثة، فهي لسيدة من إحدى الولايات الداخلية تعرضت إلى التعنيف من زوجها الذي لم يتوان عن ضربها وأطفالها مع تعرضهم الدائم للتهديد بالقتل باستعمال السلاح الأبيض (السكين)، وقد قدمت السيدة للشبكة شهادة طبية بعجز لمدة 15 يوما كان نتيجة عنف جسدي مارسه ضدها زوجها.
ولاحظت حميدة خيرات، أن الإدمان على المخدرات والمشروبات الكحولية، زاد من تنامي ظاهرة العنف المنزلي ضد المرأة والأطفال، بسبب عدم توفرها بعد الغلق الذي تعرفه الجزائر منذ أشهر، لذلك تجد المرأة نفسها أمام رجل فاقد لعقله يعاني تشتتا ذهنيا ونفسيا، وكشفت في هذا الصدد أن بعض الزوجات يبحثن لأزواجهن عن المخدرات فقط لتهدئتهم وحتى يبقى تحت السيطرة خوفا من الأسوأ.
في هذا الإطار، كشفت  أن الحل يكمن في بذل الشخص جهدا أكبر لتجاوز الضغوطات النفسية والاجتماعية الناجمة عن الحجر الصحي والبحث عن الحلول التي تساعد على تجاوز حالة التوتر والقلق، من خلال الإقبال على الصلاة وتلاوة القرآن وممارسة بعض النشاطات للخروج من حالة اللا إتزان النفسي وسط تفشي الوباء.
واقترحت حميدة خيرات إعادة فتح المساجد لامتصاص الغضب والتوتر والقلق والضغط النفسي الذي يعيشه المجتمع، لأنها بيوت الله التي يرفع فيها الدعاء حتى يرفع عنا البلاء وحتى يكون ملاذا للكثيرين للخروج من حالة التوتر الدائم، طبعا مع احترام إجراءات الوقاية، فخصوصية المساجد تجعلها أحد الحلول المهمة لتفادي المشاكل الناتجة عن الضغط الذي يسببه الحجر الصحي.
وفي ذات السياق، قالت حميدة خيرات إن المجتمع الجزائري فقد الكثير من مميزاته ولعل أهمها التكافل الاجتماعي، فبسبب الحجر الصحي والغلق وفقدان العمال لوظائفهم وجد البعض أنفسهم بين ليلة وضحاها بلا دخل حتى اضطر البعض إلى بيع الأجهزة الكهرومنزلية كالثلاجة أو التلفاز من أجل لقمة العيش، مؤكدة أنه السبب وراء ارتفاع ظاهرة السرقة والقتل.

 الدكتورة صليحة فتّال: مرافقة الأسر المعنفة

وأرجعت المختصة في علم النفس الاجتماعي الدكتورة صليحة فتّال، تنامي العنف المنزلي في فترة الحجر الصحي إلى عوامل عديدة من بينها ما هو مرتبط بالموروث الثقافي  للمجتمع الجزائري، فالحجر الصحي ألزم الرجل البقاء في المنزل ما جعله في مواجهة دائمة مع المرأة التي غالبا ما تكون متطلبة، وعندما يعجز الرجل عن تلبية رغباتها يستعمل الضرب أو العنف كوسيلة لإسكاتها بعد فقدانه للسيطرة على غضبه وتوتره.
وتحت ضغط النقص المادي خاصة وأن الحجر الصحي كان سببا في فقدان البعض لوظائفهم أو توقف نشاطهم بسبب الغلق، هناك الكثير من التفاصيل في يومياته في ظل الحجر الصحي تضعه في حالة توتر وقلق دائمين، وإن كان معتادا على ضرب زوجته فلن يتوانى عن فعل ذلك للتخفيف من الضغط الذي يعيشه في هذا الظرف الاستثنائي، وبعدما كان الشارع متنفسا للتخفيف منه أصبح المنزل المتنفس الوحيد له، لذلك يضرب الرجل المرأة على اعتبار أنها طريقة للتخلص من القلق الذي يعيشه.
وأكدت المختصة في علم النفس الاجتماعي أن الحجر الصحي، أماط اللثام عن علاقات أسرية مترهلة زادها الظرف الاستثنائي للأزمة الصحية اهتراءً، وطفت المشاكل إلى السطح، فتعنيف المرأة كان موجودا من قبل والجميع يعلم بذلك لكنه ظهر بقوة في الحجر الصحي بسبب البقاء في المنزل والمواجهة الدائمة مع الزوجة خاصة في الفترة التي كان فيها الحجر الصحي كليا، فالذهنية السائدة عند الكثيرين تؤكد أن المرأة وجدت لتوفر الراحة للرجل ما يبرر حسبهم ضربه لها، بل يضع البعض التعنيف الممارس ضدها في مرتبة الحقوق المكتسبة.

تعلُم إدارة الأزمات

أما فيما يتعلق بالحلول، قالت صليحة فتّال إنها مرتبطة أساسا بالوعي والطريقة التي تسمح بتوعية الزوجين في مسايرة وإدارة غضب الآخر سواء كان رجلا أو امرأة، ففي أغلب الأحيان تكون المرأة التي تعرضت للضرب عاجزة عن التعامل أو عاجزة عن التواصل مع الطرف الآخر، لذا لا بد من تنمية ثقافة التعامل مع الآخر، لأن المواقف التي كشف عنها الكوفيد-19 تتطلب حلا وحيدا هو تطوير وتنمية العلاقة الزوجة والأسرية وتعلم كيفية التعامل مع الآخر.  
وترى أن الإرشاد الأسري هو الوسيلة لبلوغ هذا الهدف حيث يقوم به نفسانيون مختصون لهم باع طويل في هذا المجال، تلقوا تكوينا خاصا في الإرشاد الأسري، وكشفت أن الصعوبة التي وجدها الإرشاد الأسري في هذه الفترة، مرده إلى أن  المجتمع الجزائري لم يتعامل من قبل مع وضع استثنائي كالجائحة المستجدة التي يعيشها اليوم والحجر الصحي أين وجدت الأسرة نفسها محصورة في المنزل لفترة طويلة، على الأسرة أن تتعلم طريقة التعامل مع الأزمات فالجائحة أزمة استثنائية تتطلب تعاملا نفسيا خاصا لتجاوز الضغط والتوتر والقلق الذي تولده.  
وشرحت المختصة في علم النفس الاجتماعي أن الإرشاد الأسري هو تعليم الأسرة الطريقة الصحيحة للوصول إلى بر الأمان، والأسلوب السليم لتعامل أفراد الأسرة الواحدة مع بعضهم البعض خاصة الزوجين فيما بينهما، وكذا تعليمها كيفية إعادة التماسك الأسري وتنمية التواصل بين أفرادها، حيث اعتبرته الوسيط الأساسي والمحوري في الممارسات داخل الأسرة الواحدة، حتى يمتلك أفرادها خاصة الزوج والزوجة ميكانيزمات التواصل الفعّال. بالإضافة إلى ذلك يركز الإرشاد الأسري أيضا على تنمية الترابط والشعور بالانتماء داخل الأسرة حتى تنجح في الخروج من العنف الأسري، مؤكدة على ضرورة التكفل بالعنف المعنوي لمنع تطوره إلى عنف جسدي.     
واقترحت فتّال فتح مراكز للتكفل النفسي بالأسرة الجزائرية خاصة في هذه الفترة التي تحتاج فيها إلى مرافقة خلال الأزمات، أين يعمل مختصون في المرافقة النفسية على إرجاع الثقة إلى الشخص ليستطيع مواجهة الظرف الاستثنائي الذي تمثله الأزمة، دون إغفال دور المرافقة الاجتماعية والمادية خلال الأزمات والأوبئة، حتى يدرك الرجل والمرأة أن الأسرة مبنية على علاقة تكامل وشراكة حيث يعملان في اتفاق وتفاهم من أجل مصلحة جميع أفرادها.    
وكشفت أن البعض يتساءل عن سبب عدم إقبال المرأة على تقديم شكوى ضد زوجها، بسبب العنف الجسدي الممارس ضدها، وصرحت أنه لا يجب اعتماد هذه الطريقة لمعالجة الخلل، ولكن لا يمنع ذلك أنه حق للمرأة إن كانت الشكوى الحل الأنسب لمشكلتها، معتبرة تبعات الشكوى على الأطفال وخيمة خاصة وأن الطلاق نتيجة حتمية لها في أغلب الحالات، وهناك أكدت على ضرورة التكفل النفسي بأطفال الأسرة المعنفة لأنهم يعيشون عنفا نفسيا غير مباشر، لأن الأم في أغلب الأحيان تضرب أمام أبنائها، لذلك يعيشون حدث تعنيف الأم رمز الحنان والعطاء بكل تفاصيله ما يتسبب في تبعات نفسية وخيمة قد تصل بالطفل إلى الانحراف وتسجيل نتائج دراسية ضعيفة.
وأشارت أن كل الحلول ترتكز على الزوج والزوجة في بناء الروابط الاجتماعية بين الطرفين وتحقيق انعكاساتها الإيجابية على الأطفال، فالإرشاد الأسري يعمل على زيادة التماسك الأسري وتلقين أو تعليم الأزواج التواصل الفعّال بين كل الأطراف بين الزوجين، بين الآباء والأبناء وبين الأبناء والآباء، وهي كلها مهمة للعلاقات الأسرية، ما يساهم في إعادة هيكلة نظرة الرجل للمرأة على أنها كائن في خدمته ولا تفهمه.
وقالت فتّال إن المرافقة هي مصطلح نفسي له تقنياته الخاصة وأساليب للتكفل ومرافقة الأسرة المعنفة في الحياة اليومية، ما يتطلب إشراك جميع الأطراف المعنية بها كالجمعيات والمختصين النفسانيين ووزارة التضامن وقضايا المرأة والأسرة والهيئات في هذه المرافقة.
وكشفت أن الأسرة الجزائرية بحاجة إلى مرافقة فعلية دائمة ومستمرة يلتقي جميع أفرادها في جلسات دورية مع مساعد اجتماعي ومختص نفساني لمعالجة الآثار النفسية للتعنيف الأسري، يتمم تخفيف عدد تلك الجلسات عندما تعود الأسرة إلى الحالة الطبيعية، وحتى نصل إلى ذلك لا بد من بناء هياكل إدارية لها علاقة مع مكافحة العنف الأسري بالبلديات، وزارة التضامن والجمعيات.