طباعة هذه الصفحة

مختصون يناقشون أسباب كوارث التغيرات المناخية

حتى لا تتحول نعمة المطر إلى كارثة وطنية

فتيحة كلواز

- تحيين التهيئة العمرانية لتفادي الأسوإ
- دور المواطن مهم في معادلة الحفاظ على الشبكات ومسالك المياه
- غياب الردع والصرامة في تطبيق القوانين سبب الكارثة
- إقصاء المهندس المدني في الدراسات مرفوض
- تحديد المسؤولية المدنية عند حدوث الكارثة... مطلوب
- سوء التسيير والإدارة وراء هدر المال العام
- لجنة تحري لتحديد المسؤول الأول عن الكوارث

 

تُناقش «الشعب ويكاند» اليوم مع آثار التغيرات المناخية ومسبباتها، ومن المسؤول على تداعيات ذلك على المحيط والتهيئة العمرانية وغيرها، مع المختصين، لتُشَرِّح واقعًا يتكرر كل سنة تغرق فيه أحياء ومدن كثيرة، بعد سقوط أمطار تكون غالبا «المتهم» الصامت لهذه الكوارث التي تعيد في كل مرة «حملة» باب الوادي إلى الأذهان.
 يضع الخبراء، في هذا الاستطلاع، أيديهم على مكمن الألم لتحديد المسؤوليات، لأنها الخطوة الحقيقية لتفادي الأسوإ مستقبلا، دون إغفال أهمية استشراف ما هو آتٍ بمخطط وطني للتغيرات المناخية يأخذ بعين الاعتبار ظاهرة الاحتباس الحراري وأثارها على الكرة الأرضية لربح ملاييرٍ تُهدر سنويا بسبب خسائر تعري عن سوء تسيير وإدارة.

تراوحت الأسباب بين تحولات مناخية كانت سببا مباشرا في تغير حدة وقوة مختلف الظواهر الطبيعية كالفيضانات والأعاصير وبين أسباب بشرية نختصرها في إهمال، تراخ وسياسة اللاّعقاب.

 كمال جموعي: تهيئة عمرانية غير مُحينه
أكد الخبير في التغيرات المناخية ورئيس المجموعة الإفريقية للتغيرات المناخية، كمال جموعي، في اتصال مع «الشعب ويكاند»، أن وضع مخطط وطني للتغيرات المناخية يأخذ بعين الاعتبار أكثر من استعجالي إذا أرادت الجزائر تفادي الكوارث التي تحدث كل سنة نهاية كل صيف، وقال إنه يتطلب مشاركة المختصين من أجل تحديد النظرة المستقبلية التي تريدها الجزائر، لكن تبقى حوكمة وتسيير وإدارة هذا المشروع أو التخطيط من أهم العوائق التي تقف أمامها. كاشفا أن وضع نظرة استشرافية تحدد ما يجب ان تقوم به الجزائر بصفة عامة لتفادي هذه الكوارث المرتبطة بالتغيرات المناخية مهمّ، وتحديد الدراسات الواجب القيام بها، ليأتي بعد ذلك دور الأخصائيين والخبراء في إطار تنسيق وحوكمة جيدة بغية تحقيق نجاح هذه المبادرة المتعلقة بمشروع المخطط الوطني للتغييرات المناخية. وأشار المتحدث، إلى ضرورة إشراف مختصين من ميادين عديدة على وضعه، منهم أخصائيون في التغيرات المناخية، في الطقس والجو، في الزراعة، في الصحة، في المياه، التهيئة العمرانية وفي كل ما هو متعلق بالهندسة المعمارية والهندسة المدنية، حيث يدرسون الحالة التي وصلت إليها الجزائر بسبب التغيرات المناخية من خلال استعمالهم لما يسمى بنماذج علمية وإلكترونية، وهي عبارة عن برامج «سوفت ورد» لمعرفة كيف سيكون هذا الأثر مستقبلا على القطاعات المختلفة، يتم بعد ذلك تحديد التوصيات وكذا الدور المنوط بكل قطاع، سواء وحده أو بالتنسيق مع القطاعات الأخرى لتفادي هذه الوضعية المستقبلية.
وقسّم جموعي وجود أسباب حدوث تلك الكوارث إلى شطرين، حيث كشف في الأول الفرق بين ما يسمى بالكوارث الطقسية والكوارث المناخية لوجود فرق بين الطقس والمناخ، علميا وتقنيا. فالكوارث الطقسية التي تحدث معظمها راجع إلى ارتفاع درجة الحرارة بسبب انبعاث غازات الاحتباس الحراري، ما يجعل الطقس يتأثر بما يسمى بالتأثيرات أو التغيرات المناخية كالتي نشاهدها منذ زمن كالفيضانات والأعاصير، حيث لاحظ العلماء تغير حجمها بسبب ارتفاع درجات الحرارة على سطح الأرض جراء الاحتباس الحراري.
بمعنى أن ما تعودنا عليه منذ زمن انقلاب الجو نهاية شهر أوت، حيث يتم تسجيل سقوط بعض الأمطار، واضطرابات بحرية.
 لكن الآن إضافة إلى هذه الوضعية، لاحظ المختصون حدوث فيضانات لم تكن بنفس الحدة من قبل، مرجعا التغيرات إلى ثلاث نقاط: الأولى، التغيرات المناخية التي لها مخلفات على الطقس والأحوال الجوية وهذا النوع من الاضطرابات تصبح شديدة القوة وأشد مما كانت عليه من قبل. الثانية، يرتفع عددها، فبعد أن كنا نشهد اضطرابا واحدا او اثنين خطيرين من هذا النوع، اليوم أصبح عددها أكبر قد يصل الى أربعة أو خمسة.
أما الثالثة، حدوث الاضطراب الجوي في أماكن غير معتادة. وقال في هذا السياق، إنها النقطة التي تكلم عنها منذ 15 سنة، حول ما سيحدث مستقبلا بسبب التغيرات المناخية، لأن وقوعها في مناطق غير معتادة يمثل خطرا كبيرا على المجتمع، السكان، المحيط والأنظمة الايكولوجية وغير ذلك.
أما الشطر الثاني من الأسباب، فمتعلق بتهيئة الإقليم والعمران كالطرق ومجاري المياه وإلى غير ذلك... فعند البحث عن سبب الفيضانات، لا يستطيع المختصون إعطاءها تبريرا علميا او تقنيا او انها راجعة للتغيرات المناخية بصفة مباشرة. مؤكدا في نفس الوقت، ان انعدام التهيئة اللازمة التي تأخذ بعين الاعتبار المعطيات الخاصة بالتغيرات المناخية الناجمة عن الاحتباس الحراري وأثرها كتهيئة الطرق، العمارات، البالوعات ستحدث الكارثة.
لذلك وجب تغيير النظرة الى هذه المسألة من خلال إخذ التغيرات المناخية بعين الاعتبار في كل مشروع وكل مخطط نريد انشاءه، لأن أثر الاحتباس الحراري على المناخ، فالتهيئة العمرانية في البنايات، الطرق، المصانع، المدارس، المساجد الى غير ذلك... يجب إعادة النظر فيها لأقلمة وتكييف عمل التهيئة العمرانية والمخططات مع التغيرات المناخية لتفادي هذا النوع من الفيضانات التي شهدتها باتنة، المسيلة، العاصمة وعدة مدن أخرى. مع اختيار المكان المناسب لإنشاء الأحياء السكانية وإعادة النظر في خريطة توزيع كل المنشآت الإدارية والمصانع، الأحياء حتى تكون منسجمة مع المعطيات المناخية الجديدة.
فكل تخطيط، كل تهيئة، كل بناء وكل مشروع يجب ان يأخذ بعين الاعتبار أثار التغيرات المناخية لأنها ستتفاقم مستقبلا، مؤكدا ان كل دول العالم وضعت مخططات وطنية للتكيف مع التغيرات المناخية، الا الجزائر لا تملك بعد مخططا وطنيا للتكيف مع التغيرات المناخية الناجمة عن الاحتباس الحراري.

زكية علوان: إقصاء المهندس المدني من دراسات التهيئة


كشفت المكلفة بالإعلام بنقابة المهندسين المدنيين زكية علوان، في اتصال مع «الشعب ويكاند»، أن أهم أسباب الكوارث التي تسجلها بعض المناطق هو تغييب المهندسين المدنيين في الميدان وعن مشاريع التهيئة العمرانية، حيث توجه الإعلانات الى المهندسين  المعماريين الذين لا علاقة لهم بميدان التهيئة الحضرية سبب مهم في حدوث كوارث في الدراسات، فأي خلل في الإنجاز تكون 50 بالمائة متعلقا بالدراسة و50 بالمائة الباقية بتنفيذها، لذلك تعري سقوط أولى قطرات المطر الدراسات الخاطئة والتنفيذ البعيد عن المقاييس المتعارف عليها، ما يكشف عدم إشراف المختصين عليها.
وقالت إن التهيئة العمرانية والشبكات والطرق من اختصاص المهندسين المدنيين وليس المهندس المعماري، رغم ذلك يتم إقصاؤهم من الدراسات رغم
اعتمادهم من الدولة. فدراسات التهيئة لا تمنح لأهل الاختصاص. وكشفت في نفس السياق، أن إلغاء التجارب بعد الانتهاء من المشروع أحد الأسباب المهمة أيضا، فمن المفروض قيام المقاول المسؤول على المشروع بتجارب على المجاري والشبكات للتأكد من صلاحيتها واستيعابها للمياه، لكن وفي أغلب الأحيان المقاول بانتهاء أشغال البناء يختفي.
وأكملت المهندسة المدنية أن غياب الصرامة في تطبيق القوانين على المواطنين وكل المخالفين لما جاء في المرسوم التنفيذي 1-19 الجريدة رقم 77 التي تنص على عقوبات تطبق على الذين يرمون فضلاتهم بطريقة عشوائية، سواء كانت نفايات تجارية، أو مصانع التي تعرف فوضى عارمة، كاشفة ان 20 بالمائة من الأسباب المؤدية إلى الكوارث راجع إلى انسداد البالوعات والشبكات التي قد تكون ضعيفة لا تستوعب كميات المياه الكبيرة، فتهاون المواطن وتراخي الإدارة في الردع أدى الى هذه الكوارث.
ولتفاديها مستقبلا، قالت زكية علوان إن النقابة راسلت الوزير الأول، ووزارة السكن عدة مرات، لكن لم تتلق أي ردود تطمينيه من الوزارة، بل ماتزال المديريات التابعة لها تعمل بنفس النمط والأسلوب الإقصائي، من خلال دفتر شروط الإعلانات أين يغيبون المهندسين المدنيين عن التهيئة العمرانية ويستدعون المهندسين المعماريين فقط للقيام بها، رغم عدم تخصصهم فيها، لأنه معني بتصميم المباني والسكنات، والجانب الجمالي في التهيئة العمرانية يقوم به عن طريق المناولة.
أما فيما يتعلق بالسكنات التي تبنى على ضفاف الوديان، صرحت علوان أن الله خلق الطبيعة وجعل مجاري الوديان قوية، لذلك من المفروض ان يدرس الإنسان الطبيعة ليجاورها وليس ليغير مجرى الوديان ويبني على ضفافها، فالدراسات الخاطئة المعتمدة على تغيير مجرى الوديان الى جانب البناء الفوضوي   سبب آخر للكارثة.
ولاحظت علوان، أن سياسة اللاّعقاب ساهمت في تفاقم الوضع، فبعد أي كارثة لا يستدعى المسؤول عن وقوعها، رغم ان القانون المدني ينص على المسؤولية المدنية للمهندس المعماري والمقاول، لكن ولا قضية رفعت من طرف الدولة على مسؤول ليتحمل من قام بالدراسة مسؤوليته تجاه ما حدث، مؤكدة ان الردع في مجال الدراسات او التنفيذ غائب تماما.
وكشفت ان مكتب الدراسات مطالب بدراسة تستوفي كل الشروط التقنية، أما المقاول فمن واجبه التنفيذ المطابق للمعايير. أما في حالة وجود خلل في المشروع يحاسبون ويعاقبون حسب القانون الجزائي. لكن الوقع غير ذلك تماما، فاللاّعقاب هو السائد، واعتبرت عدم مراجعة الدراسة التي توضع مباشرة للتنفيذ من المؤشرات الخطيرة، خاصة مع غياب تجارب التأكد من صلاحية المجاري والشبكات، لذلك من الطبيعي تكرر حدوث خسائر كبيرة، ووقوع ضحايا كل سنة، مؤكدة ضرورة إنشاء خلايا بحث لمعرفة المتسبب الأول في الكارثة لمعاقبته.
 
الشيخ فرحات: مواطن غير مسؤول وسلطات متراخية وجمعيات غائبة
 حمّل الشيخ فرحات، في اتصال مع «الشعب ويكاند»، المواطن جزءًا من مسؤولية ما يحدث من كوارث بعد التقلبات الجوية، بسبب تهاونه في أداء دوره المنوط به للحد من اثارها الكارثية على المحيط، لغياب الوعي البيئي.
عندما يرمي نفاياته، خاصة الصلبة، بطريقة عشوائية يصبح هذا السلوك المرفوض سببا في انسداد البالوعات وتحويل مجاري المياه. ولعل ما شهدته باتنة وولايات أخرى صورة واقعية لما يتنج عن هذا الاستهتار واللامبالاة.
وقال إن المسؤولية تتحملها أيضا السلطات المحلية المعنية بأشغال الصيانة وتهيئة البالوعات ومجاري المياه بداية شهر أوت، فغالبا ما تنتظر الأمطار الرعدية نهاية شهر أوت وبداية شهر سبتمبر، لتقوم بدورها في تنظيف وتهيئة الأحياء من بالوعات وكشط مسالك المياه. في الماضي أين كانت تقوم بتنظيف وكشط البالوعات من كل الأتربة مع رمي سائل مطهر بعد الانتهاء من هذه العملية بداية شهر أوت، متأسفا في ذات السياق للتراخي الحاصل حتى أصبح سقوط قطرات المطر الأولى مربوطا بالتخوف من حدوث كارثة، ما جعل النعمة تتحول الى نقمة.
وأكد الشيخ فرحات ان الجمعيات غائبة تماما ولا تؤدي الدور المنوط بها في تحسيس المواطن بأهمية الحفاظ على المحيط، والآثار الخطيرة للرمي العشوائي للمخلفات الصلبة في الطبيعة، خاصة وان معظم الجزائريين يستغلون فصل الصيف لإعادة تهيئة منازلهم وإصلاحها، ما ينجم عنه الكثير من نفايات البناء، لذلك كان لابد من لعب الجمعيات التي تعنى بالبيئة دورها في توعية المواطن.
 ولا تحتاج لفعل ذلك إلى غلاف مالي، بل يكفي ان تقوم كل واحدة منها في الحي الذي تتواجد به بدورها، كاشفا ان المنتسب للجمعية في الأصل متطوع لتقديم رسالة الى المجتمع وللمساهمة في الرفع من وعيه ورقيه، لذلك كان دورها مهما، لكن معظمهم ينتظرون الاعانة من الدولة ما يتنافى ومبدأ التطوع الذي يقوم عليه العمل الجمعوي التطوعي.
 فلا يمكن أن تبرر جمعية غيابها عن الساحة بسبب عدم امتلاك مقر، فيكفي ان يجلسوا مع سكان الحي لتوعيتهم أو خلق مبادرات لتنظف الأحياء وإعادة تهيئتها، وأعطى مثالا على ذلك غابة «إعكوران» بتيزي وزو، التي قال عنها إنها أصبحت غابة في مزبلة وليس العكس، بسبب الرمي العشوائي للنفايات والتي غزت الغابة وأشجارها، مؤكدا ان تلك النفايات أهدرت جوهرة بيئية اسمها غابة «إعكوران» التي تأثرت أشجارها وحيواناتها بما آلت إليه.
وألح في سياق حديثه، على ضرورة إدخال التربية البيئية في البرامج التربوي والتعليمية، مؤكدا على الدور الذي تعلبه الأسرة والإعلام في خلق ثقافة بيئية في المجتمع من خلال إبراز الآثار الكارثية للرمي العشوائي للنفايات على البيئة والطبيعة، فيجب ان يتعلم الإنسان كيف يعيش في تناغم مع بيئته حتى لا يكون سببا في اختلال توازنها.