طباعة هذه الصفحة

السكان يطالبون بحلول عاجلة للتخلص من كوابيس الحياة المزعجة

«الشعب» تستطلع واقع التنمية بدوار بوحريز في بتيبازة

علي ملزي

يشكّل دوار بوحريز ببلدية مسلمون بولاية تيبازة عاصمة افتراضية لمنطقة بوهلال المجاهدة التي دفعت 700 شهيد قربانا للثورة التحريرية المجيدة، وبالرغم من البعد التاريخي لهذا الدوار الذي لقب بدوار بوزير وطيلة فترة ما بعد الاستقلال باعتباره كان يشكل النقطة صفر بالنسبة للجيش الفرنسي الذي سهر على مراقبة تحركات المجاهدين بالمنطقة، إلا أنّ الدوار لا يزال يعاني من تخلف تنموي رهيب يكشف للعيان عن توفر نعمة الأمن دون غيرها من ضروريات الحياة الكريمة.
الطريق إلى بوحريز محفوف بمختلف أنواع المخاطر والصعاب بفعل غياب النقل والتضاريس الوعرة واهترائية المسلك، إلا أنّ باب الفضول والتقرّب من المواطن القابع بالجزائر العميقة دفعنا للالتحاق بهذه المنطقة التاريخية، التي لا تزال تحتفظ بقدر كبير من المناظر الطبيعية الخلاّبة والكنوز السياحية الباهرة، لنقف في آخر المطاف على واقع معيشي لا يحتمل ولا يترجم حقيقة نضال أبناء المنطقة خلال الثورة التحريرية.
وتبقى مجمل ضروريات الحياة الكريمة منعدمة أو متردية، بحيث تستفيد الساكنة هناك من نصف ساعة من الماء خلال يومين، وكثيرا ما ينقطع التيار الكهربائي لفترة ساعات طويلة أحيانا، أمّا الضروريات الأخرى فهي لا تزال مجرّد أحلام لم تتحقق في الواقع لاعتبارات متعددة.
وأهم ما يميّز دوار بوحريز أنّه تابع إداريا لبلدية مسلمون، إلا أنّ التحاق سكانه بمقر البلدية يقتضي بالضرورة قطع مسافات طويلة عبر بلديتي أغبال وقوراية قبل الوصول إلى البلدية الأم، وعانى هؤلاء كثيرا من مشكل استخراج الوثائق الإدارية قبل انتشار خدمات رقمنة الوثائق.
ولا يزال العديد ممّن اتصلنا بهم يطالبون بإعادة النظر في التقسيم الإداري، من حيث إلحاق الدوار ببلدية أغبال المجاورة تجنبا لمشاق التنقل الى بلدية مسلمون البعيدة، إلا أنّ ذات الطلب يتجاوز مجمل السلطات المحلية باعتباره يرتبط أساسا بمخطط التقسيم الإداري المعد من طرف أعلى السلطات في البلاد، ومن ثمّ فقد ساهم هذا البعد غير المعقول لدوار عن مقر بلديته في تفشي التخلّف وانتشار التريف بمعناه الواسع.

ظروف تمدرس كارثية

تفاقمت مشاكل تمدرس أبناء دوار بوحريز خلال السنوات الأخيرة عقب إهتراء المدرسة الابتدائية الوحيدة محليا، بسبب تسرّب مياه الأمطار الى قاعاتها وتشقق جدرانها وبروز عدّة مظاهر تريف بها، إلا أنّ الذي لفت انتباه الأولياء تحول ذات المدرسة الى مدرسة عبور للمعلمين الذين يلتحقون بها من أجل التوظيف الجديد من طرف مديرية التربية، قبل أن يقدم هؤلاء على المشاركة في الحركة التنقلية للتحول الى مؤسسات تربوية أخرى أحسن حالا وأقرب لسكناهم، الأمر الذي يتسبب في اشكالية التواصل والتأقلم لدى المتمدرسين.
اما حينما يتعلق الأمر بالمرحلتين المتوسطة والثانوية، فإنّ الأمور تعتبر أكثر مرارة وقساوة بالنظر الى تجدّد مشكل النقل المدرسي، وبرمجة تمدرس ابناء الدوار بمتوسطة وثانوية بلدية قوراية بدلا من متوسطة اغبال المجاورة.
وأشار بعض الأولياء الذين تحدثنا إليهم إلى أنّ المنطقة تبقى جد محافظة، وأنهم يخافون على أبنائهم من غدر التكنولوجيا الحديثة على مستوى الداخلية بكل من المتوسطة والثانوية، وهي التكنولوجيا التي لم تكن متطورة إلى الحد الذي بلغته الآن خلال سنوات خلت.
كما ذكّر احدهم بحادث انقلاب حافلة النقل المدرسي في 25 اكتوبر 2009، أفرز عن وفاة ثلاث تلاميذ وجرح ثلاثين آخر، وهو الحادث الذي أجبر وزير التربية الوطنية حينذاك للتنقل الى عين المكان ليعد سكان المنطقة بملحقة للمتوسطة في أقرب الآجال إلا أنّ ذلك لم يتحقق الى حدّ الساعة.

قاعة العلاج تتحوّل إلى أطلال

بكل حسرة وألم، أكّد الشاب عبد الحق الحريص، ضرورة ترقية الظروف المعيشية لسكان الدوار، لأنّ المريض الذي توصف له الحقنات من طرف الطبيب عادة ما يطلب بدائل اخرى لأسباب مرتبطة بالتنقل، إلاّ أنّه في حالات الضرورة فإنّ المرضى يتنقلون الى غاية مقر بلدية أغبال المجاورة لأخذ الحقنة، مع الإشارة إلى أنّ التنقل يكلّف 400 دج ذهابا وإيابا للشخص الواحد.
وتبقى قاعة العلاج المحلية مغلقة منذ عقد من الزمن، وهي الفترة التي أفرزت بروز اهتراء مختلف مرافق القاعة بما في ذلك السكن الوظيفي التابع لها، ولم يعد هذا الهيكل صالحا للاستغلال على الاطلاق عقب هجرانه من طرف الجهة المعنية على مدار 10 سنوات، إذ تحول الهيكل كلّه إلى أطلال تتوسط دوار بوحريز وتشهد للعيان على قساوة الحياة وسواد الحياة البدائية.

ملحقة بلدية خارج الخدمة منذ سنوات

استفاد دوار بوحريز من ملحقة بلدية انتهت بها الأشغال منذ عدّة سنوات خلت قدّرها بعض السكان بـ 6 سنوات، إلا أنّها لم تفتح أبوابها بعد لأسباب تبقى مجهولة، ولا يزال سكان الدوار يقطعون بلديتي أغبال وقوراية قبل بلوغ بلدية مسلمون الأم لطلب الخدمات الإدارية أو مقابلة المسؤولين المحليين باعتبار الدوار يتبع بلدية مسلمون إداريا.
وأشار بعض خريجي الجامعات من المنطقة الى أنّهم على استعداد كامل للتكفل بضمان المناوبة بالملحقة في حال ما تمّ توظيفهم بصفة رسمية، إلا انّ الواقع يشهد بأنّ الملحقة تحولت الى أطلال تقتضي صرف اموال باهضة لصيانتها وتشغيلها من جديد.

المتخرّجون من الجامعات يستغيثون

منهم من حصل على شهادة الليسانس ومنهم من تدرّج الى درجة الماستر، وعدّ احدهم 15 جامعيا ينحدرون من الدوار تخرّجوا جميعهم من عدة جامعات عبر الوطن وضمن عدّة تخصصات علمية، إلاّ أنّ القاسم المشترك الذي يربط هؤلاء أنهم جنحوا للبطالة رغما عنهم بالنظر الى بعد المسافة واستحالة الحصول على مناصب عمل بالمرافق العمومية القريبة.
كما أشار بعضهم إلى أنّ مجرّد التفكير في المقاولاتية لتجاوز ازمة البطالة لم يعد ممكنا لسواد مظاهر التريف وانعدام مختلف اوجه التنمية بالتوازي مع انتشار الفقر والحرمان.
ومن هذا المنطلق فقد تحول خرّيجو الجامعات هناك الى مهنة الفلاحة التي ورثوها عن آبائهم وأجدادهم.
وألح أحدهم على أنّ هذا التوجّه لا يمكنه أن يكون حلا لاشكالية التوظيف للجامعيين بالنظر الى انعدام الدعم الفلاحي، واستحالة الحصول على ملكية الٍاراضي لافتكاك مختلف اوجه الدعم، ومن ثمّ فقد اقترح أحدهم بان يتم توظيف بعضهم على مستوى كل من المدرسة الابتدائية المحلية والملحقة البلدية اضافة الى قاعة العلاج المغلقة كحلول ترقيعية يمكن اعتمادها من طرف الجهات المعنية لغرض تجنب النزوح الريفي من جهة وترقية الظروف المعيشية لسكان الدوار من جهة اخرى.

جهاز استقبال الاتصالات..هيكل بلا روح

يوجد جهاز استقبال اتصالات وحيد بإحدى البنايات بمركز الدوار، انتهت أشغال نصبه خلال شهر رمضان المنصرم حسب ما علمناه من السكان المقيمين هناك، إلاّ أنّه لم يتم تشغيله الى حدّ الساعة لتتعمق معاناة السكان في مجال الاتصالات.
ويستفيد هؤلاء حاليا من خدمات جهاز استقبال آخر للمتعامل الهاتفي ذاته تمّ نصبه منذ سنوات عدّة بإحدى المدن التابعة لولاية عين الدفلى المجاورة .
وساهمت هذه المعطيات مجتمعة في حرمان سكان الدوار من خدمات الانترنت بالنظر الى انعدام شبكة الهاتف السلكية واقتصار الخدمات على خدمات الجيل الرابع بفعل أجهزة الاستقبال المنصبة بولاية عين الدفلى المجاورة، وتبقى المعاناة قائمة وبحدة الى إشعار آخر.

«الكلونديستان»..وسيلة النقل الوحيدة بلا منازع
غير بعيد عن مقر بلدية أغبال المجاورة وعلى مستوى مفترق الطرق بين كل من أغبال وبوحريز تصطف سلسلة من سيارات الخواص التي اشتهرت بامتهان نقل المسافرين ما بين أغبال وبوحريز، ويعتبر «الكلاندستان» وسيلة النقل الوحيدة المعتمدة على هذا الخط الريفي، والذي هجره مجمل الناقلين الرسميين لاعتبارات عديدة.
غير أنّ الذي يثير الدهشة والغرابة على مستوى هذا الخط كون تسعيرة التنقل تقدّر بـ 200 دج للشخص الواحد وفي اتجاه واحد فقط، الأمر الذي يبرز الوجه البشع للناقلين غير الرسميين، والذين لا يعيرون اهتماما للمستوى المعيشي المتدني لسكان دوار بوحريز ومتذرعين بصعوبة التضاريس واهترائية الطريق بمعية مبررات واهية اخرى.
هذا الأمر الذي أضفى على الحياة اليومية لسكان بوحريز عوائق أخرى لا تطاق ولا تحتمل، أجبرتهم على الاقتناع بأنّ التنمية ترفض الإقلاع والتطور على مستواهم ليبقى هؤلاء مجبرين على التأقلم المتجدد مع الظروف المعيشية القاسية.

قرابة 200 عائلة تقرّر نزوحا ريفيا مضادّا منذ سنة 2005

أسفر الانتشار المنتظم لقوات الجيش الوطني الشعبي على امتداد جبال الظهرة لمراقبة تحركات الحركات الارهابية خلال فترة العشرية السوداء عن عودة العديد من العائلات النازحة نحو المدن والقرى الآمنة القريبة والبعيدة بداية سنة 1996 حين كثّفت المصالح الأمنية من تواجدها هناك.
وتمركزت معظم العائلات بمركز الدوار بالنظر إلى استتباب الأمن، إلا أنّ تأخر التنمية المحلية وانعدام الخدمات والمرافق الضرورية لضمان حياة يومية مريحة أرغم العديد من العائلات على النزوح من جديد نحو مناطق أخرى بحثا عن ظروف عيش مريحة، لتبقى اشكالية التنمية المحلية شاهدة على إخفاق السلطات المحلية في مسألة تثبيت العائلات بقراها.

مشروع تهيئة حضرية لم يرق لمستوى تطلّعات السكان

استفاد دوار بوحريز ببلدية مسلمون مؤخرا من مشروع تهيئة حضرية يشمل تعبيد قصير داخل المجمع السكني، إضافة إلى إنجاز جدار داعم للمدرسة الابتدائية وإصلاح الانارة العمومية بحيث توشك الأشغال على نهايتها.
ويندرج المشروع ضمن مبادرة السلطات الولائية للتكفل الأمثل بمناطق الظل، إلا أنّ هذا المشروع لم يرق الى مستوى تطلعات السكان باعتباره لم يساهم بشكل مباشر في خلخلة مشاكلهم اليومية التي ترتبط بالبطالة ووغياب النقل والتكفل الصحي والتمدرس، ناهيك عن غياب مختلف المرافق الاخرى ذات الصلة بالحياة الكريمة للساكنة.
ومن هذا المنطلق، طالب سكان الدوار بتكفل شامل بهم من حيث النقل والصحة والتمدرس والتوظيف على أمل عودة العائلات النازحة من جديد الى قراها.